الملحق الثقافي:عبد الحكيم مرزوق:
صدر مؤخراً ديوان الشّاعر السوري المهجريّ «جميل حلوة» 1883-1946م، وهو شاعرٌ وإن كان مغموراً ولم ينل شهرة في زمانه، إلا أنه كان قد كتبَ مئات القصائد الجميلة؛ وهو من أدباء الـمهجر القلائِل جدّاً، الذين حازوا على شهادةٍ جامعيَّة بارزة فـي المُحاماة قبل نحو مائة سنة، وربما لم يحظَ أيّ شاعرٍ من شعراء المهجر في تلك الأيام، على هذه الشهادة التي حصل عليها أيضاً، الأديب المهجريّ اللبناني «ميخائيل نعيمة».
الكتاب، من إصدار «دار الإرشاد – سورية – حمص»، وهو من جمعِ وإعداد الدكتور «حسان أحمد قمحية»، الذي يذكر في كتابه، بأن «جميل بطرس حلوة» كان متقِناً للغةِ الإنكليزيَّة أيَّما إتقان، وبأنه كان ضَليعاً في اللغة العربيَّة ونحوها وصرفها وآدابِها.. بالإضافة إلى ذلك، كان على اطلاعٍ واسعٍ بالأدب الإنكليزي العالمي، لاسيَّما القديم منه، والذي يمتدُّ إلى القرنين السادس عشر والسابع عشر، حيث كانت لغةُ ذلك الأدب مختلفة بدرجةٍ مهمَّة عن لغة الأدب الإنكليزي اليوم، بما يشبه لغة الأديب والكاتب الـمَسرحي الإنكليزي الكبير «ويليَم شكسبير».
لقد ساعدت الثقافةُ والمعرفةُ الواسعة والغنيَّة، الشاعر المهجريّ «جميل حلوة» على ترجمة أُمَّهاتِ القصائد الإنكليزية العالمية، من الأدبَيْن الإنكليزي والأميركي، وقد تمكَّن من تَعْريب تلك القصائد شعراً عربياً خالِصاً، وببراعةٍ قلَّ نظيرُها، وقد ذكر «قمحية» بأنه لم يرَ شاعراً مهجريّاً آخر، غير «جميل حلوة»، استطاع تَعْريبَ هذا الكمِّ الكبير من القصائد الأجنبية، حيث زاد ما عرَّبه منها على 60 قصيدة، ما بين القرن السادس عشر ومطلع القرن العِشْرين، وقد أحصى كلَّ تلك القصائد وجمعها فـي ديوانه، مستفيداً من مجلَّاتٍ مهجريَّة قديمة جدّاً وغير متاحة حالياً، لا فـي الـمكتبات الرسميَّة العربية ولا على المواقِع الإلكترونية، وهي مجلات كان حصل عليها، من جامعاتٍ ومكتبات أميركيَّة بعدَ مراسلتها، وإقناعها بجَدْوَى هذا العمل.
إضافة إلى هذه المجلات، استفاد «قمحية» من جهدِ الدكتور «جورج ديمتري سليم»، فـي جمع بعض تلك القصائد الـمُعرَّبة أيضاً، مشيراً إلى أنَّ «جورج سليم» قد ذكر فـي مقالةٍ قديمة له سنةَ 1978 م، في مجلَّة الأديب اللبنانيّة، أنَّه على وشكِ الانتهاء من جمع ديوان «جميل حلوة».. لكن، رغم البحث الـمطوَّل (فـي مواقع عربيَّة وأمريكيَّة)، لم يجد ما يؤكِّد صدورَ ذلك الديوان، وهذا ما حَدا به إلى جمعِه من جديد، مُستنداً إلى عشرات المصادر والمراجع القديمة.
من القصائدِ الـمُعرَّبة التي اعتنى بها «جميل حلوة»، ولفتَت انتباه «د. قمحية»، قصيدةٌ بعنوان «افْتِراء على القُرُود»، وقد عرَّبها «جميل حلوة» سنة 1945 م، ونشرها في «جريدة السائح» الـمهجريَّة» التي هي لـ «عبد الـمسيح حدَّاد»، ورغم عُثور المعدّ على القصيدةِ الأصليَّة التي جاءت تحت عنوان Monkey>;s Disgrace، لكنَّه لم يتوصَّل إلى صاحبها الذي كتبها بالإنكليزيَّة…
قصيدةُ «افْتِراء على القُرُود»، ذات مدلولاتٍ عَميقة ومرامٍ بعيدة، وتقول كلماتها:
قَصَدْتُ يَوْماً غابَ جَوْزِ الهِنْدِ
أَمْشي الهُوَيْنا في حِماها وَحْدي
فَلاحَ لي قِرْدٌ عَلى الأَغْصَانِ
وَخَلْفَهُ قِـرْدانِ آخَـرانِ
وَقَدْ جَرَتْ بَيْنَهُمُ الأَبْحاثُ
عمَّا بِهِ قَدْ جاءَتِ الأَحْداثُ
فَقالَ قِرْدٌ مِنْهُمُ مُرْتاعا:
هَلَّا سَمِعْتُمْ إِفْكَ ما قَدْ شاعا؟..
وَيْحَ بَني النَّاسِ ادَّعُوا التَّسَلْسُلا
مِنْ شَعْبِنا الأَشْرفِ – لا وَأَلْف لا
فَهَلْ رَأَيْتُمْ بَيْنَنا مَنْ قَدْ هَجَرْ
قَرينَةً أَعْطاهُ إِيَّاها القَدَرْ ؟..
فَهاجَ مِنْ هِجْرَتِهِ بَلْبالَها
وهالَها مُجَوِّعاً أَطْفالَها
أَوْ هَلْ شَهِدْتُمْ في القُرُودِ وَالدَةْ
عَنْ بَيْتِها تَبْقَى دَواماً شارِدَةْ!؟
فَتَتْرُكُ الأَوْلادَ عِنْدَ الجارَةِ
وَغَيْرَها لِلنَّوْمِ وَالإِدارَةِ
حَتَّى إِذا مَرَّتْ عَلَيْهِمُ السُّنُونُ
لا يَعْلَمُونَ أُمَّهُمْ مَنْ قَدْ تَكونُ
ما في حِمَى القُرُودِ مَنْ ضَلَّ وَجارْ
وَحَوْلَ جَوْزِ الهِنْدِ قَدْ شادَ الجِدارْ
مُحَرِّمًا مَأْكَلَهُ عَلى الجِيَاعْ
وَلَوْ هَوَى مُعْظَمُهُ مِنْهُ وَضاعْ
ما قَوْلُكُمْ لَوْ حَوْلَ أَشْجارِي أَنا
بَنَيْتُ سُوراً صَدَّ عَنْ جَوْزي الـمُنَى؟
أَلَسْتُمْ تَرْمُونَني بالجَشَعِ
وَتَلْعَنُونَ في الحَياةِ طَمَعي؟
فَرُبَّ جُوعٍ قادَنا لِلسَّـرِقَةْ
وَلِخصامٍ سَيِّئٍ وَتَفْرِقَةْ
وَنَحْنُ مَعْشَـرَ القُرُودِ في الوَرَى
لا نَسْكَرُ اللَّيْلَ وَنَسْتَحْلي السُّـرَى
وَبالعِصِـيِّ لا نُبالي وَالسِّلاحْ
لِقَتْلِ فَرْدٍ بَيْنَنا يَهْوَى الصَّلاحْ
يا صَحْبُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ تَحَدَّرُوا
لكِنَّهُمْ ضَلُّوا بِما تَصَوَّرُوا
لَئِنْ هُمُ مِنَ السَّماءِ نَزَلُوا
فَلا يَقُولُوا مِنْ قُرُودٍ نُسِلُوا
فِإِنَّنا نَحْيَا بأَمْنٍ وَسَلامْ
لا شَرَّ فِيما بَيْنَنا وَلا خِصامْ
هذه هي القصيدة الأهم في الديوان، والتي أشار «د. قمحية» بعد وقوفه لديها، إلى أنه لا يبدو له أنَّ القصيدةَ الإنكليزيَّة الأصليَّة قديمةٌ كثيراً، لأنَّ لغتَها مألوفة لدينا اليوم، ولا تشبه إِنْكليزيةَ شكسبير ومُعاصريه.
التاريخ: الثلاثاء11-5-2021
رقم العدد :1045