الملحق الثقافي: هفاف ميهوب:
لم تكُ الأديبة والفيلسوفة الإسبانية “ماريا فرناندا ثامبرانو” مغالية في شعورها بأن الإنسان قد يموت حبّاً أكثر من مرّة، وبأكثرِ من طريقةٍ، بعيداً عن وطنه، فالوطنُ بوصلة القلب.. يُهدي كلّ من فتح عينيه على فضائه، وكلّ من تنفّس هوائه، سبيل الكرامةِ المتجذّرة في رحمِ الأمِّ – الأرض.
يُهديه، مفردات الحياة التي تقودهُ وأنّى تلقّفته الجهات، أو يمَّمَ أصله، إلى الأصالةِ والحضارة العظيمة، وإلى حكمةِ الآتِ التي تجعله يفتخر بأنه ابن الأبجدية التي تمكّنه من النطقِ بالحقّ، في كلّ قضيّةٍ تستلزم منه أن يعتنق الوطن، بعنفوانِ الفكرِ والأخلاقِ والبيان والقيم المقيمة.
ألا يشعر كلّ من فارق صديقاً أو عزيزاً، بضيقِ أنفاسه واختناقِ ذاته، وبتغيّرٍ في هيئته، وبوحشة وغربةٍ وحزنٍ ويُتم؟…
نعم يشعر.. يشعرُ بالاحتضار والموت، بانقباضةٍ تُقلقه وتثير هواجسه.. تشتعل فيه نيرانُ الضجر، ويجثمُ الهمُّ فوق صدره، فيكادُ يصرخ ولو صمتاً، افتقاداً وتوقاً..
اذاً، علينا أن نؤمن بما آمنت به “ثامبرانو”، وبأن “من حقّ الإنسان الذي فرضت عليه كلّ هذه الأنواع والأشكال من الموت، أن يحيا من جديد، وباستمرار…”..
حتماً، لا يكون ذلك فقط، بجعل الوطن يقيم فينا أنّى ارتحلنا وحللنا، بل وبالوفاء له، وتحدّي عدوّه.. بالطموح الذي يرتقي بنا فيه، وبدأبنا وإخلاصنا في عملنا، حدّ الامتلاءِ نشوة، مثلما تعنينا تعنيه…
نباركه ونؤمن به، فيهبنا الحياة أبده.. ألا نهبهُ صوتنا؟.. بلا وألف بلا، لطالما هو صوته، وفي صوتهِ تفاصيل انتصارنا..
ها نحن نستعدُّ للإدلاء بهذا الصوت، مدوّياً ومتحدّياً ومواجهاً، كلّ من اعتدى على حياتنا، وسعى أو دعا، لسلخنا عن وطننا، وإسكاتِ ما ينطق به ضميرنا.
mayhoubh@gmail.com
التاريخ: الثلاثاء11-5-2021
رقم العدد :1045