الثورة أون لاين – فؤاد الوادي:
أنتجت سنوات الحرب الماضية وعياً وطنياً مختلفاً لدى السوريين على وجه العموم، وعياً مضمخاً بالدماء والفداء ومعمداً بالدموع والأوجاع، قوامه الصمود والتضحيات العظيمة، وعياً أثبت قدرته وجدارته ليس على المواجهة والتحدي فحسب، بل على الانتصار أيضاً، رغم كل حالات الهجوم الإعلامي المتكرر الذي لم يؤثر على بنيته وتماسكه.
هذا الفائض الكبير في الوعي الوطني الذي كان لإرهاصات الحرب دوراً كبيراً في تنميته وتقويته، لابد له أن يلعب دوراً كبيراً في الدفع نحو المشاركة بأي استحقاق وطني، لأن هذا الأمر سوف يصنف انسيابياً تحت عنوان المسؤولية الوطنية والأخلاقية التي يجب أن تكون حاضرة عند كل نداء للوطن.
ثقافة المشاركة والاقتراع والاختيار، ونحن على مسافة ساعات من الانتخابات الرئاسية، تشكل جميعها الدعائم والأركان الأساسية لمنظومة الوعي الجامعة انطلاقاً من دورها وموقعها المتقدم في الفرز وقراءة واستشفاف الواقع وجس الخطر والضرر وتدارك الوقوع فريسة سهلة له، كما يمكن القول إنها تشكل قاعدة أساسية لمواكبة الظروف المتحولة والمتغيرة والمستجدة على كل الأصعدة المحلية والإقليمية والعالمية، وخاصة في هذه اللحظة التاريخية التي ترقب تغيراً في المشهد الدولي حيث يشكل الوطن منصة لانطلاق عصر جديد بقواعد ومعادلات مختلفة عما قبل أسهم بوعي أبنائه في صنعها ورسمها وجعلها أمراً واقعاً.
إن حساسية المرحلة وخطورتها في ظل هذا التصعيد المتواصل لمنظومة الإرهاب ضد الدولة السورية، تفرض على جميع السوريين أخلاقياً ووطنياً استغلال هذا الفائض الكبير من الوعي الوطني الذي اكتسبوه خلال الأزمة لتعزيز مناعتهم وحصانتهم عبر ترجمته إلى سلوك يحاكي ويواكب المتغيرات التي تستوجب منهم تعاطياً وتفاعلاً وفعلاً استثنائياً شكلاً ومضموناً، ولعل مشهد الطوفان البشري لعشرات آلاف السوريين في الخارج وهم يتوافدون إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، شكل اختباراً حقيقياً لهذا الوعي الوطني الذي كان بحق استثنائياً بكل المقاييس.
هذا الوعي الوطني الجمعي الذي لمسه العالم خلال الأيام الماضية لا يدعونا إلى التفاؤل بمستقبل الوطن فحسب، بل يدعونا إلى الوثوق ثقة مطلقة بقدرة السوريين على التعاطي مع استحقاق الانتخابات الرئاسية بكل عزيمة ومسؤولية أخلاقية ووطنية وتاريخية، انطلاقاً من أهمية هذا الاستحقاق بالدرجة الأولى لكونه مكوناً أساسياً من الحياة الدستورية السورية التي لا يمكنها المضي دون إعطائه كامل حقه، وانطلاقاً من أهمية وخطورة المرحلة التي يتعرض فيها الوطن لأشرس المخططات والمؤامرات الاستعمارية التي تستهدف قيمه وأصالته وحاضره وتاريخه ومستقبله ووجوده كوطن متكامل يحتضن كل مواطنيه.