كانت الصورة أبلغ من أي كلام، حتى أولئك الذين عودونا على صخبهم وضجيجهم وقذارتهم، لم ينبسوا ببنت شفة فقد خرسوا وابتلعوا ألسنتهم، ووقفوا بذهول وصمت مطبق عاجزين عن الكلام وكأن على رؤوسهم الطير أمام الحشود الغفيرة للسوريين الذين تدافعوا إلى صناديق الاقتراع ليرسموا مستقبلهم و لينتخبوا رُباناً ماهراً لا يخشى العواصف والأعاصير، ولا الأمواج العاتية ليقود سفينة أحلامهم وطموحاتهم إلى بر الأمان.
كل صوت انتخابي، كان بمثابة رصاصة في صدر الغزاة والمعتدين، لكن المشهد من دوما المدينة الشهيدة الحية كان مختلفاً جداً، حيث ما بين السطور، وما خلف الحروف والكلمات، ما هو أبعد وأعمق من أي تحليل ومن أي وصف واستقراء، فالإطلالة من هناك، من فوق الحطام، ومن بين الركام، وعلى وقع الكوابيس السوداء التي لا تزال تجول في تفاصيل وزوايا المدينة التي كانت يوماً تحت قبضة الإرهاب، لها دلالاتها الاستراتيجية، فهي بقدر ما تحمل رسائل الصمود والعزيمة، بقدر ما تحمل رسائل ودلالات التحدي والنصر رغماً عن أنف كل الذين حاولوا نهش هذا الوطن وتقطيع أوصاله والعودة به إلى زمن الاستعمار والوصاية والتبعية.
مشاهد النصر ورسائل الصمود كانت الحاضر الأبرز يوم أمس، حيث تحول صندوق الاقتراع إلى بوصلة وطن انصهر أبناؤه في بوتقة الأمل والعمل والإرادة، وفاء لكل الدماء التي سالت ليبقى حراً وعزيزاً وشامخاً.
سيبقى هذا اليوم التاريخي حاضراً في وجدان وعقول كل السوريين الذين عاشوه وعايشوه لحظة بلحظة داخل سورية وخارجها، لكن الأهم أنه سيبقى شاهداً على صلابتهم وإرادتهم في الدفاع عن حريتهم واستقلالهم وسيادتهم ووحدة أرضهم، وبالمقابل سيكون شاهداً على هزيمة أعدائهم الذين دخلوا في مرحلة جديدة من الهستيريا والتخبط والفشل.
نبض الحدث _ بقلم فؤاد الوادي