الثورة أون لاين – فؤاد مسعد:
فارس آخر من فرسان الإبداع في سورية ترجل عن جواده معلناً نهاية رحلة عطاء ، إنه المخرج فردوس أتاسي (مواليد حمص 1942) الذي وافته المنية اليوم بعد تدهور وضعه الصحي في الأيام الأخيرة متأثراً بمضاعفات فيروس كورونا ، وقد نعته وزارة الإعلام ونقابة الفنانين ، وسبق للراحل أن شغل منصب رئيس دائرة المخرجين في التلفزيون السوري وقام بالتدريس لعدة سنوات في المعهد العالي للفنون المسرحية ، وهو حاصل على ماجستير في الإخراج من أكاديمية الفنون في براغ ، وعضو في نقابة الفنانين منذ عام 1971 ، وحصل على جوائز من مهرجانات مختلفة .
سنوات طويلة قضاها الراحل يحمل في قلبه الحب للجميع ، كان دائم الحلم والطموح ، أخرج أعمالاً هامة قدمها من عمق روحه متبنياً كل مشهد فيها . المناقب كثيرة لمخرج عايش حال الدراما منذ أمد ، عايشها كمبدع ومُعلّم وفنان وناقد وإنسان تاركاً فيها بصمته التي لاتزال حاضرة حتى يومنا بحرارتها وألقها ، قدم عبر مسيرته الطويلة أعمالاً داخل وخارج سورية حفرت لها مكاناً متقدماً في وجدان الناس ، وكانت للراحل رؤاه وموقفه التي بثها عبر أعماله الإبداعية المختلفة وعبر كتاباته وحواراته الإعلامية ، وسعى دائماً إلى تلمس الجديد ليقدم المختلف ، يقول عبر أحد اللقاءات التي سبق وأجريتها معه (لا يستهويني أي نص لأخرجه ، فينبغي أن يكون للعمل خصوصية ويقدم متعة بصرية ومتعة فكرية وأن تشعر أنه يحمل أفكاراً جديدة يمكن طرحها) .
أولى أعمال الراحل كان مسرحية بعنوان (الغرباء لا يشربون القهوة) وافتُتح بها مهرجان دمشق المسرحي عام 1971 ، أما على صعيد الدراما التلفزيونية فكثيرة هي الأعمال التي أخرجها وبقيت في الذاكرة ، فمن سهرة (فندق البلد) عام 1974 إلى مسلسل (البيادر) عام 1976 فمسلسل (الدروب الضيقة) 1980 ، (الطبيبة) عام 1988 ، ومسلسل (المحكوم) 1995 الذي سلط الضوء على حياة الخارجين من السجن ونظرة المجتمع لهم حيث قدم لأول مرة محكوم خارج من السجن بطلاً لعمل درامي ، ومسلسل (مذكرات عائلية) 1998 الذي فاجأ الناس أن كل حلقة فيه عبارة عن قصة فيها الجديد ، وتحدث في (تمر حنة) 2001 عن فترة الخمسينيات في دمشق القديمة مصوراً العادات والتقاليد والحياة الاجتماعية والسياسية والحب والمغامرات ، وفي (الهروب إلى القمة) 2003 رصد أحداث عام 1982 والعلاقات السورية اللبنانية وكيف احتضنت سورية اللبنانيين ، أما في مسلسل (الملاك الثائر) 2006 فتناول فيه حياة أحد كبار رجال الفكر وهو جبران خليل جبران ، ومسلسل (وطن حاف) 2015 طرح تداعيات الحرب التي شنت على سورية من منظار خاص تمتزج فيه الكوميديا مع التراجيديا عبر حلقات منفصلة لتشكل كل حلقة منه فيلماً كاملاً يحكي أحد فصول الألم بإطار اجتماعي وإنساني شفاف راصداً سلسلة مواعيد مع الأمل لشخصيات تحاول أن ينتشلها الحلم من القاع ، وقد تقاسم إخراج هذا العمل مع مهند قطيش بحيث أخرج كل منهما عددا من الحلقات وكان من تأليف كميل نصراوي وإنتاج المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي ، وتكر السبحة لتسجل الكثير الكثير (العروس ، ثلوج الصيف ، الوردة الأخيرة ، ياقوت الحموي ، اليوم الطويل ، البراءة ، الانتظار ..) .
بعد ذلك كله تثار أسئلة حول قدرة الموت على إنهاء حياة مبدع؟.. فتأتي الإجابة من خلال أعمال كُتبت بنبض الروح عن مخرج كبير سعى جاهداً أن يعكس ثقافته وروحه وفكره وآلية تعاطيه مع الحياة عبر نتاجه الإبداعي ، فكتب أسطر عطائه بأحرف تحمل سطوة الخلود ، إنه إبداع يصعب على الزمن أن يتجرأ للنيل منها لأنه راسخ في عقول وأفئدة الكثيرين