الثورة أون لاين – عبدالمعين زيتون:
يُبدي عدد غير قليل من الأدباء الجدد امتعاضا غير مبرر في الغالب من رفض مخطوطة..ومع وفرة فرص النشر التي تقدمها الهيئات المعنية بالمساعدة في هذا الشأن، كالهيئة السورية للكتاب أو اتحاد الكتاب العرب وغيرهم يصطدم صاحب المخطوط بعدم الموافقة وهو ما يجعلنا نتساءل لماذا؟
وهل لصاحب المخطوط الذي لم يحالفه الحظ بالموافقة على النشر والطباعة الحق في كيل الاتهامات لهذه الجهة أو تلك؟
أم إن الجهات ذات الصلة بالكتاب وطبعه ونشره ( وأقصد هنا الجهات العامة بالطبع) من حقها فعلا الرفض كما هو من حقها ومن شأنها القبول..
وأيا كان نوع هذا المخطوط، لاسيما إذا كان شعرا فإننا أصبحنا بأمس الحاجة اليوم إلى ضبط هذا السيل الجارف من الشعر الذي يتهافت أصحابه على نشره في كتب ومجموعات دون ان ندري ما هي وظيفتها وشغلها في حقل الأدب..
وربما خرج أدباؤنا الجدد عن كل التقاليد والأعراف الأدبية التي تدلنا على أنهم اطلعوا بالفعل على تراث أدبائنا المعروفين فقرؤوا واشتغلوا بها واطلعوا عليها حقيقة!
ولا نقف هنا ضد الشعر الجديد أو ضد شعر التفعيلة بل بالعكس تماما فتطور الأدب و أدواته و وسائله و أساليبه حقيقة لا يستطيع أن ينكرها أحد على الإطلاق..
كل ما نقصده هنا هي عشرات بل مئات الكتب الجديدة التي يصنفها أصحابها او أصحابهم وأصدقاؤهم من النقاد، بالإبداعية الخارقة وبأنها تنتمي إلى الحداثية أو ما بعدها ليس لأهميتها و جديتها و لحقيقتها الإبداعية، بل لأنها تضم مفردات ونصوصا يمسي القارئ لها كالمسافر الساري في ليل مظلم لا ضوء فيه، إذا لم نقل أنها مجرد تجارب أولية أنتجتها خيالات عبثية غير منضبطة..
تجارب لم يخضع أصحابها للمدارس العلمية والأدبية والفنية ولم يتقنوا أصولها ومعارفها إذا لم نذهب للأبعد فنقول: إن أصحاب معظم هذه المخطوطات لايعرف أحد من أين جاؤوا و ما الذي يريدونه تماما، وكيف ينظرون في وظائف اﻷدب والشعر،ومقاصده وأغراضه.
لقد نأى القارئ بنفسه عن القراءة وكذلك فعل المتلقي والمتابع للأنشطة والفعاليات واﻷنشطة الثقافية -لاسيما الآمسيات الشعرية – وصار من حقه إساءة الظن بالشعر الجديد – على وجه الخصوص – لأنه فشل بالفعل في فك ألغازه و طلاسمه وفهم وإدراك وظائفه وغاياته الأدبية و الفنية.
وينطبق هذا الرأي على نصوص القصة القصيرة جدا وهي ما يعرف بال (ق. ق. ج) التي لا تريح خاطر المتلقي ولاتفتح أمامه آفاقا للفهم والمتعة بآن معا بقدر ما تسدها عليه في كثير من اللقطات المتعبة.
والحقيقة أن على الأديب الجديد أن يدرس ويدرس ويجتهد ويطلع على من سبقوه في هذا الميدان ليثبت أصالة أدبه وتقانة إبداعاته – إذا صح التعبير- وأن يؤكد عمق تجربته الفنية قبل أن يقدم نفسه بصفته أديبا بطريقة مباشرة.
ونعتقد أن ثمة مدخلات وأبواب كثيرة يمكنه أن يطرقها حقيقة قبل أن يطرق أبواب الإبداع الفني والأدبي وأن يقحم نفسه فيه عن قصد او بغير قصد.
ولعل أهم هذه الأبواب التي يمكنه أن يدخل من خلالها هذا الحقل أن يجتهد في إنجازه لأبحاث أدبية وعلمية وفنية قيّمة يؤكد من خلالها عمق اطلاعه على أسلافه من الكتاب والأدباء والشعراء..
وقد لا نأتي بجديد إذا قلنا إن الأديب الجديد شأنه شأن طالب الدراسات العليا في أي اختصاص ولابد لهذا الطالب أن يجتهد وأن يدرس ويقدم أبحاثا علمية تؤكد جدارته في فهم وإدراك اختصاصه و وظائفه.
ونعتقد أن هذا التقليد الأدبي قد يكون سبيلا ناجحا في ضبط إبداعنا من الفوضى التي عصفت بها في السنوات الأخيرة وجعلت من القارئ أوالمتلقي على حد سواء يحجم عن التفاعل مع (اﻷدب الجديد)،وينأى بنفسه عنه مفضلا بقاءه بعيدا عن متعة ضائعة يبحث عنها بلا جدوى في القراءة أو التلقي . وهو واقع مؤسف بلا شك. إذ لابد لﻷدب أن يكون قريبا من الجمهور وقضاياه وهمومه،قريبا من تطلعاته وآماله وأحلامه،وليس العكس . إذ لا يمكن لﻷدب أن يطلب من الجمهور أن يقترب منه وهو بعيد عنه-كل البعد-أحيانا كثيرة. ووفقا لهذه الرؤية.. أسمح لنفسي المتواضعة أن أسجل -وربما يشاطرني هذا الرأي غيري من المهتمين والمتابعين للشأن الثقافي والفكري على الساحة الوطنية- أسجل إعجابي وتقديري لﻷسلوب والمنهجية الجديدة التي أخذ يمارسها بجدية (اتحاد الكتاب العرب)،واعتمد فيها أن ينتقل بنفسه إلى الجمهور حيث يكون هذا الجمهور دون أن يستثني من هذا المد الجميل ريفنا الطيب وقرانا الوادعة على شطآن الجمال والسلام.
تجربة رائدة بلا شك لايمكننا أن نحيط منذ اﻵن بمفاعيلها وتأثيرها على المدى المنظور حتى لانتهم بالمحاباة ﻷحد ،وهي ليست غايتنا على اﻹطلاق،لكنه من واجبنا أن نتتبع الفعل الذي قد يرقى إلى مستوى اﻹبداع في أداء مؤسساتنا الثقافية والتي يأتي على راسها اتحاد الكتاب العرب الذي يسجل أو يحاول أن يسجل (تكتيكا) جديدا وفعلا إيجابيا جديرا بالملاحظة واﻹعجاب. ومن نافل القول إن نقل الثقافة ونشرها هو السبيل اﻷمثل لنقل الوعي والمعرفة التي نحصد ثمارها الطيبة بالتراكم والاستمرار. ولعلنا إذ ذاك نكون من الذين يبذرون البذار الصالحة حقا في مجتمع أعيته مآسي الحرب عليه،ويتطلع اليوم إلى الوعي كحاجة عليا في إعادة بناء ذاته على مسارات الوطنية واﻹنتماء الحميم لسورية الغد، سورية اﻷمل النجيب بحلم واعد مكللا بالعمل المخلص الذي نصبوا إليه.