ثورة اون لاين – هناء الدويري:
كثيرا ما قرأنا الشّعر خيالا وصورا جميلة ترسم لوحة متكاملة الألوان في عالم الفنّ والأدب، وفي قصائد الشاعر محي الدين محمد في مجموعته “قاتل الظنّ اسمي” الصادر عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق نجد الشاعر يمتلك كلّ ماسبق مع امتلاكه لحقيقة ويقين يصعب معهما أن تترك مجالا للشكّ في أن يتملّك فؤادك الذي خبر كلّ ما في الحياة من موت وهجر وخذلان وحبّ وحلم وعرفان وامتنان ورؤى لم تضلّ طريقها فهديّ أسفارها أنجمٌ وعيش أطفالها بابٌ ومهد علم ومن يسرق أعتاب ظلّهم يلقى الهوان “قصيدة هاء الدّهر صفحة ٧٢”
يتفكّر ويتبصّر الشاعر ويقتل الظنّ كما اسمه في العنوان… وأشكّ في أنه ظنون…
يترك للرمزية أن تأخذ القارئ في بحور قصائد العمود والحرّ لسبر أغوار نفسٍ تجليّات وجودها يقينٌ “كالعناقيد التي تشتاق ظلّا في العيون”، ولحظة شوق فيها “ألف رؤيا لاتخون”…
خريف العمر رحلة استكشاف ومكاشفة في الزمان والمكان، وكلّ التساؤلات الطفولية وفي الشباب وحتى مابعد خريف العمر تبقى قصيدُ قلبٍ ترتّله الرّوح في ملكوت ٍ مهما تساءلت عن أسراره وقبابه يبقى هنالك صوت البعث والأمام يناديك، ولستَ رهناً لقصيدة وأمٍّ وحبيبة إلّا لتكون الوارث الأمين….
قوافي مرثية الشهيد العقيد عهد محمد “وزّع هلالك” المنتظمة تثور على القصيد الحرّ في مجموعة الشاعر وتنتظم ببائية كأنها وحدها القادرة على أداء الغرض الإنساني الشعري.
الكلاسيكية في هذه القصيدة لم تقيّد المشاعر واللغة عند محي الدين محمد بل على العكس مما هو متوقع من العروض، أطلقت عنده الصور الواقعية للمشاعر الحقيقية وتدفقات عاطفية ولحظات هدوء وغليان وصفاء وحزن وافتخار بطرق حداثية ورمزية جماليات جزئياتها كسرت روتين ورتابة العروض، يقول الشاعر:
-كنّا نغزل الأيام في دعَةٍ
صار الغياب فدىً أطلاله القِرَبُ
-ياعهدُ.. والبيت نبلٌ في مطالعه
أشعلت برقاً على إبداعه انتصبوا
-أقوى من الموت.. ماقالت يداك لهم
أمدّك الله وصلا ماله حُجبُ
تصوير فنّي ودلالات لغوية فاقت العبقرية الجمالية للشّعر فيها خلقٌ وإبداع وفنّ تفوق الأنا التي يحملها العنوان، فأنت كمتلقي أو قارئ تقفز داخل القصائد وتجوب البحار والسهول والجبال وتعانق وجه السماء وتجوب في حضارات العالم والإنسان وأساطيرهما..يقول الشاعر في قصيدته “فهود الملاحم” :
تخيّلته الآن نسرا… وفي حضن “سومر”.. يروي حديث الأوائل… أمازال يذكر… صوت الفؤوس… ولون المنال؟!… ودرب الرّعاة… إلى سهل “شنعار”… يُغوي شهودا… ويطوي أنين اليهود… أُساري على ماء بابل… ونبض المواشي… حليف المراعي… يثير شغاف الأهالي… وريح الأعالي… تنادي صباح المُحيّا… وطيف الحضارات… فيه يُعاشر…. الخ..
حتى عندما يغضب ويثور الشاعر على الواقع المرير في الحياة وعلى أشباه المثقفين والناقدين وكلّ انكسار تراه راقيا موضوعيا و يطلب الغفران ويجد السبيل في كلّ مرارة “ثوب الحياة الباقية”
ولمّا لم تتوفر السيرة الذاتية للشاعر في الكتاب وجدتها في قصائده المبدعة “طفل الذاكرة” و”أيوب” وابن الأرض التي لاتلد إلّا الأحرار الأوفياء لحضارتها المحبّ العاشق للوطن والمناضل في سبيل رفعة الشأن الثقافي والأدبي.