افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير – علي نصر الله:
من بعد تَطورات مَيدانية مُلتهبة مُتعددة -لم تَهدأ بعد- أنتجت مُستويات مُتقدمة من الاحتكاك السياسي بين موسكو وواشنطن، وبين واشنطن وبكين، وبين موسكو ودول الناتو، ما خفي أثرها، بل كان واضحاً بانعكاساته لجهة تَسخين العديد من الملفات الدولية والإقليمية، أتت قمة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي جو بايدن، بحثاً عن أُفق آخر لعلاقة البلدين، تُخفف أو تُضاعف التوتر.
في الشكل، ومن بعدِ تصريحات الرئيسين بوتين وبايدن، تبدو الاستنتاجات صعبة، ذلك أنه باستثناء الاتفاق على عودة السفراء إلى موسكو وواشنطن، وباستثناء الإعلان عن افتتاح حوار ثُنائي حول الاستقرار العالمي والتمديد لمعاهدة ستارت 3، فإنّ شيئاً لم يتغير في المسائل الخلافية الأخرى، وإنّ اختراقاً لم يُسجل باتجاه القضايا التي أدّت لقَطيعة كانت مُرشحة لما هو أكبر من سجال وأقل من ولوج احتكاك لن يقف عند حدود الهجمات السيبرانية والعقوبات والقيود الاقتصادية طالما جرى حَديث عن تهديدات نووية!.
في المضمون، ربما أبقت قمة بوتين – بايدن الأبواب مُشرعة على نقاط تلاقي تُهدئ التوتر الحاصل، غير أنّ عدم تَسجيل بايدن خطوات في التراجع عن إجراءات بعينها وسياسات غير مقبولة في اتجاهات كثيرة، يُبقي الباب مَفتوحاً على احتمالات فشل الحوار والانتقال لمُستوى آخر من الاحتكاك، لطالما تَمسكت واشنطن بحساباتها الخاطئة واعتقادها بأحقية أن تسمحَ لنفسها بالعبث في كل الساحات والاتجاهات القريبة والبعيدة، بمُقابل وجوب ألا يُبدي الآخر الذي تُهدده في مصالحه وأمنه الوطني أيّ رد فعل هو بكل المقاييس ردٌ طبيعي بل مَشروع وواجب ينبغي القيام به من دون تَردد.
ما نقاط الخلاف الروسي – الأميركي؟ وما نقاط الخلاف الصيني – الأميركي؟ ربما قبل السؤال عن الخلافات الأميركية مع الصين وروسيا كقطبين دوليين، ينبغي إعادة طرح السؤال المَركزي: لماذا الخلافات الأميركية قائمة مع أوروبا الحليف والتابع؟ ومع قوى دولية وإقليمية عديدة مُتعددة على امتداد الجغرافيا؟ ومع الأمم المتحدة ومنظماتها وهيئاتها المُختصة السياسية والحقوقية والإنسانية والثقافية؟.
إذا كان من الطبيعي أن تَنشأ خلافات سياسية اقتصادية بين المُتنافسين، وبين الخصوم على الساحة الدولية، فإنّه من غير المَقبول أن يكون لطرف مُحدد دون بقية الأطراف خلافات مُتكاثرة مُتجددة دائماً مع الكل من دون استثناء. هو حال أميركا التي لا تتفق إلا مع الخاضع لها، التي ترى وجوب أن تُهيمن وما على الجميع إلا أن يَقبل، بل ترى أنه ليس من حق أيّ طرف أن يَرفض خططها وإملاءاتها التي تَسلبه سيادته واستقلاله!.
إن نشر الإرهاب التكفيري، تَبني الإرهاب الصهيوني، دعم حركات التطرف، تَخزين أسلحة ثقيلة في البلطيق وأوروبا الشرقية، تَطوير مشروع الدرع الصاروخية، فرض الحصار والعقوبات الأحادية، الانسحاب من المعاهدات، والانقلاب على الاتفاقات الدولية .. الخ، ليست مُمارسات أميركية سرية، بل هي سياسات مُعلنة تأتي في سياق برامج ومشروعات تُخصصها واشنطن بأموال طائلة، وتناقشها في البنتاغون والكونغرس بوقاحة وباستخفاف تام للرأي العام العالمي، وما هذا إلا غيض من فيض ما يَختلف العالم عليه مع أميركا القوّة المُتغطرسة.
إنّ الالتزام بالقوانين الدولية من عَدمه، تُمثل نقطة الخلاف المَركزية مع أميركا، روسياً، صينياً، عالمياً، فأميركا من يَجوب أعالي البحار بحثاً عن السيطرة، وهي من يُهاجم أمن واستقرار الآخرين فَرضاً للهيمنة، وهي من يَمتلك مشروعاً امبريالياً نَهبوياً عابراً للقارات، وهي من يُهدد بمشاريع الغزو والعولمة الهوية والثقافات فضلاً عن تهديد المُعتقدات والأوطان والتنوع الغني فيها. والمفارقة أنّ ذلك يَجري تحت عناوين كاذبة وادّعاءات مُفبركة وبدوافع قذرة مَكشوفة، ليَبقى من الثابت أنه ما لم تُبدِ الولايات المتحدة التزاماً حقيقياً بالقوانين الدولية فتتراجع عن طموحاتها وأحلامها وأوهامها، فإنّ مُستويات الاحتكاك لن تتراجع، بل ستتطور، وربما تَنزلق في لحظة طيش أميركية إلى مُواجهة كارثية.