الثورة أون لاين – ترجمة ليندا سكوتي:
يكتنف الكرملين والبعض في موسكو نوع من التفاؤل الحذر حيال مستقبل العلاقات الأميركية – الروسية، فالطرفان لم يتوصلا بعد إلى إيجاد أرضية مشتركة لعدد كبير من الخلافات السياسية العالقة.
خلال الأسابيع السابقة لقمة 16 حزيران المنعقدة بين الرئيس جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في جنيف، حصل انخفاض في مستوى توقعات الأميركيين من نتائج القمة المزمع انعقادها وتبعهم الروس في ذلك.
وفي هذا السياق قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف خلال مؤتمر صحفي: “يبدو أن الآثار السلبية التي تراكمت على علاقتنا الثنائية قد أضعفت التواصل بيننا، لذلك فإنه من الصعوبة بمكان توقع التوصل إلى تفاهم بشأن الخلافات العميقة منذ الاجتماع الأول”.
ولكن رسائل بيسكوف التي تلت انعقاد القمة كانت أكثر إيجابية إذ صرح: “في البداية حذرنا من التوقعات المبالغ فيها بشأن القمة، أما الآن يمكننا القول بأنها ذات مؤشر إيجابي، وذلك بناء على تقييم الرئيس بوتين”.
من جانبه أعرب الرئيس بوتين عن أمله بأن يكون اجتماعه مثمراً، مثنياً على شخصية نظيره الأميركي بالقول: “إن الصورة التي رسمتها صحافتنا وحتى الصحافة الأميركية مغايرة للواقع”.
علاوة على ذلك، رفض بوتين الاتهامات التي وجهها معارضو بايدن سواء الأميركيين أو الروس بشأن ارتباك الرئيس وتردده فيما يتعلق بنقاط مختلفة في رحلته الأخير عندما قال: “سافر في رحلة طويلة، جاء عبر المحيط ولم يتأثر بطول السفر وفروق التوقيت، عندما أسافر يؤثر علي الأمر”.
وأشار بوتين إلى أن بايدن “منخرط تماماً في الموضوع”، مضيفاً بأنه رئيس “مخضرم، ويجب على المرء أن يتوخى الحذر الشديد عند التعامل معه، لضمان عدم تفويت أي شيء، إنه لا يفوّت شيئاً، أؤكد لكم ذلك.
ويمكنني أن أؤكد لكم أنه لا يتخطى نقطة واحدة، الأمر الذي بدا لي جليا” وأردف قائلا: “سأكررها مرة ثانية، إنه يعلم ما يريد تحقيقه ويفعل ذلك باقتدار، الأمر الذي يمكن أن تشعر به على الفور”، وأضاف بوتين في إشارة واضحة إلى منتقدي بايدن المحليين: “آمل ألا يكون الأمر كما كان عليه في السنوات السابقة، وأن يسمح له بالعمل دون أي معوقات”.
وهنا نتساءل إن كان كبار المعلقين والصحفيين الروس سيلجؤون إلى تغيير نبرتهم لتعكس تفاؤل بوتين بعد القمة، علما أنهم دأبوا على توجيه النقد للرئيس الأميركي؟، إذ بعيداً عن التقييمات الشخصية لبايدن، أبدى مراقبون روس موافقة خجولة لنتائج المفاوضات بين الزعيمين.
وفي الواقع، نظر البعض إلى الاجتماع الذي دعا بايدن إلى عقده على أنه نوع من الانتصار الأخلاقي، في إشارة واضحة إلى خروج روسيا من الركود الذي أصابها في تسعينيات القرن الماضي وعادت قوة عظمى لا يستهان بها”.
وفي هذا السياق قال المحلل السياسي ديمتري أبزالوف على التلفزيون الروسي: “يجب عليهم الآن التفاوض معنا”، مضيفاً أن المؤتمر الصحفي الذي عقده بوتين بعد القمة كان بذات مستوى أهمية مؤتمر بايدن إن لم يكن أكثر منه قائلا: “لو لم يكن ذلك الاجتماع ضرورياً، لما عُقد”. وأضاف الصحفي أليكسي نوموف أن المفاوضات لا ترقى إلى مستوى إعادة ضبط العلاقة بين موسكو وواشنطن، ولكنها تعدّ “إعادة انطلاق” بناء على أسس جديدة من الاحترام المتبادل بين أعلى مستويات القيادة الروسية والأميركية.
ثمة اعتراف عام أن بوتين حقق نصراً تكتيكياً، الأمر الذي بدا واضحاً في تأكيد بايدن الصريح على دعم واشنطن لصيغة مينسك، لكن المراقبين الروس تكتنفهم الشكوك في مدى كفاية هذا التأكيد للتغلب على المأزق الذي دام سنوات بين روسيا وأوكرانيا والغرب بشأن عدم إحراز أي تقدم في تطبيق الأحكام الرئيسة للاتفاقية.
علاوة على ذلك، أشاد السيناتور الروسي أليكسي بوشكوف بموافقة القائدين على الشروع بمشاورات تتعلق بالأمن السيبراني، إلا أنه أعرب عن قلقه خشية أن تشهد موسكو تكرارا لقمة هلسنكي التي عقدت عام 2018، إذ قال في مقابلة على التلفزيون الروسي: “ناقش ترامب في هلسنكي إنشاء مجموعة عمل تختص بمجال الأمن الالكتروني، وكنا على استعداد لذلك، إلا أنه عندما عاد إلى الولايات المتحدة بعد اجتماعه بالرئيس بوتين، شن الأعضاء الديمقراطيون ووسائل الإعلام حملة هستيرية شجبوا بها عمليات التفاوض مع جهات يعتبرونها عدوة، وإثر ذلك، تراجع ترامب عن الفكرة. واتضح فيما بعد بأن ما طرحه كان صحيحا” وأضاف: “نريد أن نرى أفعالاً لا أقوالاً، وإزاء ذلك فإني أتساءل كيف سيتحقق ما اتفق عليه الجانبان؟ إذ أود أن أرى إجراء حقيقياً”.
تعكس ردود الأفعال المذكورة آنفا ما يساور موسكو من قلق إثر محادثات بايدن المتوترة مع المراسلين والرسائل الدعائية التي أطلقها منتقدوه في الداخل من أن إدارة بايدن تفتقر إلى رأسمال سياسي يمكنها من وضع أسس طويلة الأجل للتعاون البناء مع روسيا حتى لو رغبت بذلك.
ويبقى أمر التوصل إلى حل للقضايا الخلافية بعيد المنال رغم التأكيدات المتبادلة على استمرار الحوار بشأن طيف واسع من القضايا بما في ذلك القطب الشمالي وتغير المناخ ومراقبة التسلح والاتفاقيات الملموسة بشأنها، إضافة إلى أزمة دونباس المستمرة والصدام الايدلولوجي الأكبر حول حقوق الإنسان والسيادة الوطنية. وستثبت قادمات الأيام ما إذا كانت قمة جنيف قد نجحت في غرس بذور الحوار الموضوعي لجسر الهوة السياسية والواسعة بين روسيا وأميركا.
المصدر: The National Interest
