الثورة أون لاين – رنا بدري سلوم:
“القارئ المثالي مترجمٌ، إذ يمكنه أن يفتّت النص إلى قطعٍ، ويزيل جلدَه، ويتعمّق فيه حتى النخاع، ويتبع مسار كلّ شريان وعرق ومن ثم يشكل كائناً حياً جديداً مقولة المترجم الأرجنتيني “ألبرتو مانغويل” جعلتنا نوغل في التساؤل عن سبب لجوئنا إلى قراءة الأدب المترجم، كإيمان بعضنا أن الصناعات الأجنبية تتميز بالمتانة وجودة الصنع!، فما الذي ينقص الرواية العربية المحلية كي تضاهي المترجمة؟ وهل هناك خطوط حمراء تقف عائقاً أمام الكتّاب تجعل الرواية العربية تحابي المنطق لا تطرحه في كثير من الأحيان بما يخص قضايا المرأة والدين والسياسة كما يعتقد البعض؟!
توجهت إلى المترجميّن الأديبين الدكتور ثائر زين الدين والدكتور إبراهيم استنبولي للوقوف عند تجربتهما في الترجمة وهل حقاً أنها كما توصف برحلة سماوية تنقلنا من غيمة لأخرى، كي نرقب عوالماً جديدة مختلفة عنا في طبيعة الحال؟.
“نقرأ الرواية المترجمة لرغبتنا في معرفة الآخر، ولمعرفة المستوى الإبداعي لحضارات العالم وحتى الغوص في القاع الاجتماعي لتلك البلاد، وفقاً لما ذكره المدير العام للهيئة العامة السورية للكتاب الدكتور ثائر زين الدين حين وجهنا إليه سؤالاً لماذا نقرأ الرواية ولماذا المترجمة، فبرأيه أن ” الرواية تغوصُ في أعماق المجتمع بطريقةٍ قد لا تصل إليها الدراسات الاجتماعية حتى، بوصف الرواية جنساً أدبياً مميزاً، وإن توجُهّنا إلى الرواية المترجمة فيه شيء من الرغبة في المثاقفة والاستفادة من تجربة تلك الشعوب، ولدت الرواية في أوروبا أواخر القرن السابع عشر وتطورت حتى شكلِها الحالي، استقبلناها أواخر القرن التاسع عشر، حيث قدم الروائيون ترجمات مهمة فيما بعد استطاع الروائي العربي أن يقدم نماذج جميلة، في النصف الثاني من القرن العشرين ازدهرت الرواية في أميركا اللاتينية رغم أنها ليست من الأمم الصناعية المتحضّرة إلا أنها أنتجت أهم الروايات، أما الرواية العربية فقد استطاعت أن تلحق بالركب وتقدم نصوصاً باهرة، وهذا السبب الثالث الذي يدفع القارئ العربي لقراءة النص المترجم.
“إن الرواية العربية عرفت قبل عدّة عقود ازدهاراً كبيراً ولاقت رواجاً لدى القارئ وفي سوق الكتاب ويكفي أن نذكر روائيين كبار من أمثال عبد الرحمن منيف ونجيب محفوظ وحيدر حيدر ونبيل سليمان وإلياس خوري وغيرهم بحسب ما أوضحه الدكتور إبراهيم استنبولي كاتب ومترجم عن الروسية، متابعاً القول لكن فترة العقدين الأخيرين وتحديداً بعد الاحتلال الأميركي للعراق وما تلاه لاحقاً من أحداث مأساوية في العديد من البلدان العربية تحت مسميات “الربيع العربي والثورات شهدت تراجعاً عميقاً وانحطاطاً في مستوى الإبداع الروائي العربي مع استثناءات لم تنجح في خرق الظلام الدامس الذي غرقت فيه الثقافة العربية عموماً ومن ضمنها الأدب بكافة أجناسه
زين الدين:الروائي العربي غير مسلح بوعي نقدي
أشار الدكتور ثائر زين الدين إلى أن الروائي العربي بقي غير مسلّح بوعي نقدي وثقافي في هذا الفن، يكتب بعفوية، متأثراً ببعض النماذج الروائية وهو يعدّه أحد أسباب تأخر الرواية العربية في أن تضاهي الأجنبية، وأن هناك نماذج عربية لا تقل أهمية عن الرواية الأوروبية، ذاكراً الروائي السوداني الطيب صالح وأعماله التي لا تقل جمالاً عن الإنجازات العالمية، ومن الروائيين السوريين “حنّا مينة، هاني الراهب، ممدوح عزام، أحمد يوسف داوود وخليل صويلح، وتجارب عربية مميزة، إن المعرفة العميقة لهذا الفنّ الروائي وماهيته ونظرياته تكون أداة مناسبة للروائي العربي كي يقدم أشياء مهمة، وكثير من الروائيين العرب اعتمدوا على مواهب عالية قدمت حضوراً مهماً، وقد بدأ بعد جيل روّاد الرواية العربية يتشكل جيل من المبدعين مؤهل لتقديم نصوص أفضل في المراحل المقبلة.
للفن قيود ذهبية..
لم تلحق الرواية العربية بركب رواية الدول الأخرى ليست بسبب عوامل” الدين الجنس السياسة” كما نظن، فمن وجهة نظر الدكتور زين الدين، قد يكون لهذه العوامل دور مؤثرٌ بسيط في ذلك، قائلاً: “من خلال تجربتي مديراً عاماً للهيئة العامة السورية للكتاب لاحظت أن كثيراً من الروايات التي تقدمُ لنا لم توظّف تلك العوامل فنياً، بل هناك روايات استخدمت الجنس بشكل مشوق للقارئ فقط دون أن توظفه بطريقة فنية تدخل في بنية العمل الروائي، فالطرق الفنية تسمو بالعمل الروائي كرواية “مئة عام من العزلة” لماركيز التي وظفت الجنس بطريقة فنية سامية، معرّفاً الفن بأنه رقصٌ في القيود الذهبية، ثمّة قيود لكل فن، الفن يستطيع أن يحتال على تلك المخافر ويتجاوز كل الحدود لذا البيئة ليست كل شيء، بل هناك الموهبة العالية والسامية للكاتب.
يوافقه الرأي الدكتور استنبولي مبيناً أن غياب رواية عربية ناجحة لا يرتبط بوجود خطوط حمر أو محظورات تمنع الخوض في السياسة أو تمنع الكتابة عن الدين وعن المرأة، قائلاً: بل أرى أن كل شيء في عالمنا العربي مرهون بالابتعاد عن الصدق وعن قول الحقيقة مهما كانت مريرة وجارحة، الإنسان عندنا عموماً والكاتب أو ما يقال له مثقف أيضاً للأسف يعيش حياة مزدوجة أو فصامية، ما من أحد مستعد لأن يبحث عن الخلود من خلال عمل إبداعي، وما من أحد يريد أن يغامر وأن يطرق أبواباً تخفي عن الناس ما هو القائم خلفها بل إن الأغلبية الساحقة إن لم يكن الجميع يبحثون عن حياة ميسرة أو عن تأمين مثل هكذا حياة سواء من الناحية المادية أم السياسة وهذا هو لب القصيد: نريد تحطيم الاستبداد ومحاربة الجهل بالشعارات وحسب، فمن المعروف أن معظم الكتاب العالميين المبدعين إنما أبدعوا في ظروف قاسية سواء على المستوى الشخصي أم في ظروف اجتماعية صعبة جداً فالحياة الميسرة والسهلة تتناقض مع الإبداع، وحال الأدب والثقافة عندنا خير مثال.
تجارب.. نقد وتسويق..
وفي تجربة الدكتور زين الدين في الترجمة عن الروسية يبين قائلاً: ” لقد ترجمت القصة القصيرة والرواية والشعر وقد وصلت إلى قناعة من خلال تجربتي في الترجمة أنه بقدر ما يمتلك المترجم أدوات الترجمة أي معرفة لغة المنبع بشكل جيد ومتميز، ولا يكفي دراستها بل لابد أن يعيش المترجم في البلد التي يتحدث ويعيش لسنوات طويلة فيها ويمتلك اللغة امتلاكاً حقيقاً لا يقرأها في الكتب فقط، أما الأداة الأخرى أن يمتلك لغة المصب أي أن يكون أديباً بلغته وموهوباً نقرأ النص بلغته نقف أمام أدبٍ حقيقي، حاولت أن أقتدي بالنماذج الباهرة وألا استهين بجماليات النص فعندما كنت أنقل نصوص” سيرغي يسينين، أو آنا اخماتوفا وبوريس باسترناك، وفي مجال الرواية ترجمت لعدد من الروائيين الروس منهم” دوستويفسكي وميخائيل بولغاكوف جنكيز أيتماتوف” أراعي أن أنقل الشعر شعراً، وفي ترجمتي للرواية كنت أراعي جمال الأسلوب في اللغة الأم الروسية وضرورة أن ينقل الأدب أدباً إلى اللغة العربية”
استنبولي: سوق الكتاب يزداد تطوراً..
بينما أوضح الدكتور استنبولي أن سوق الكتاب قد شهد إقبالاً كبيراً وهذه ظاهرة صحيّة ولا ضير منها بل ويمكن القول إن جميع بلدان العالم تقوم بنفس العملية من ترجمة الآداب الأخرى وبوتيرة وبأحجام أكبر بكثير مما تقوم به حركة الترجمة في العالم العربي وهذا يعود لأسباب مختلفة، من بينها سعي الناشر العربي إلى تحقيق ربح مضمون وأسهل عن طريق نشر روايات مترجمة لكتّاب أجانب برعوا في هذا البلد أو ذاك، كما لعب دوراً لا بأس به في زيادة الاهتمام بالرواية المترجمة وظهور جيش كامل من المترجمين من لغات مختلفة كانوا مضطرين في السنوات الأخيرة للبحث عن مصدر رزق أو عن تلبية طموحات معينة وتوكيد الذات المتشظية والهائمة على سطح الأحداث المتسارعة في شتى مجالات الحياة ولا يقل أهمية في هذا الصدد ظهور عدد كبير جداً من دور النشر في البلدان العربية قام شباب يائس ومغامر بتأسيسها لنفس تلك الأسباب وبحثاً عن طريقة للنجاة والنجاح في خضم هذه الحياة متلاطمة الأمواج حيث راحوا يبحثون ويجولون في مواقع البحث عن أسماء لكتاب أجانب يمكن أن تلفت اهتمام القارئ العربي ولأعمال أدبية ربما كانت مغمورة أو لاقت رواجاً في الآونة الأخيرة بفعل الميديا ووسائل الإعلام المعولم، وتجدر الإشارة هنا إلى أمر مثير ألا وهو أن الناشر العربي أو المترجم العربي قد لا يكون قرأ العمل المترجم ويكتفي بالاسم أو بالعنوان دون أن يكون العمل ربما جديراً بأن يترجم، وقد قرأت أعمالاً مترجمة من لغات مختلفة لا ترقى إلى مستوى الإبداع وحتى أنها يمكن القول لا تساوي الحبر الذي كتبت به والورق الذي استهلك لأجلها وفقاً لاستنبولي.
مؤكداً الدكتور استنبولي على دور النقد الأدبي الذي لا وجود له للأسف الشديد في عالمنا العربي، إلا كنوع من التشدق الإعلامي إلى جانب الدور الذي يجب أن تضطلع به الصحافة ووسائل الإعلام من أجل تسليط الضوء على الأعمال الروائية العربية الناجحة مهما كانت خجولة والتي تشهد بالمناسبة ازدهاراً واضحاً في المغرب العربي لكنها لا تلقى الاهتمام الكافي من قبل النقاد والإعلام.