الملحق الثقافي:إنعام أسعد:
على الضفّة اليمنى لنهرِ الفرات وُجِد لوحٌ فخاري منقوشٌ باللغة الفراتية
ويُروى أن هناك نسخةً أخرى شبيهة في مكتبة مملكة «إيبلا» تقول:
هذه السماءُ التي نعرفها هي السماءُ الثانية
وهناكَ أخرى اسمها «السماءُ السابقة»
وهما متّصلتانِ عبر جسرٍ يُدعى
«ممرّ الآلهة» الذي يحوي خمور الآلهة
وخمور المعرفة.
حدثَ فيما مضى أن الإلهة الأم أعطتْ أمرها
أن يتمّ الربطُ بين «الطبيعة البشرية والحياة».
إلّا أن أصغر الآلهة «نيسرو» الذي طُلبَ منه ذلك
شربَ خمسة دنانٍ في السرّ
من خمرةِ المعرفة في ممرّ الآلهة
ولم يستطعْ تنفيذ الأمرِ بعد محاولاتٍ عديدة
ما أغضبَ الإلهة الأم
فحوَّلتهُ إلى مجرّد نسرٍ بجناحين… فقط
غير أن «نيسرو» كتبَ في مذكراته ما يلي:
1
رأيـتُ في ما يشبهُ الحلمَ
أن البشرَ يرقصون على جمرِ «الأنا»
وأن النسرَ في كلِّ فردٍ منهم
يشتعلُ من رأسِه.
الأمطارُ التي كنتُ أرسلُها
اشتعلتْ هي الأخرى
البشرُ يتحوّلون في تلك البحيرةِ
إلى آلهةٍ من نار،
كيف لي أن أكونَ الجسرَ
لمن لا يريدُ العبور؟!
آخيْتُ بين الحياةِ والطيور
بين الحياةِ والشجر،
غير أن البشر
لا يجيدون الرقصَ إلّا
على جمرِ «الأنا».
2
وقيل إنّي عاصٍ
وإنّي للبشرِ عدوٌ عتيق.
كيف لي
وهم يريدونَ ما لا أُريد؟!
كلّما أوغلوا في الخلقِ
عادوا من جديد
إلى زنازينهم،
كيف أُخرِجهم من أقفاصِ الذاكرة؟!
أنا – رسولُ الآلهة – أقول:
ما يصعبُ امتلاكهُ هو الحياة
«السكونُ في الجبال
رفّةُ الفراشةِ في المدى
موسيقى المطر».
3
أيضاً أقول:
«الخريفُ خلخالُ الفصول،
والربيعُ مطرٌ آخرٌ
خيلٌ جامحٌ.
الريحُ راعٍ
والغيومُ قطعانُهُ الشاردة،
والجداولُ أغنياتٌ خالدة».
4
كلّما كتبتُ عناوينَ للشمسِ
يلمعُ برقُ الالتباس.
يرتادون ملهى الوقتِ كلَّ صباحٍ
يتوسَّدونَ أسرَّةَ القلق
كلَّ مساءٍ
يعبرونَ غابةَ الدهشةِ
كومضةٍ خاطفة
من أجل حفنةٍ من الحواس.
قلتُ – أنا رسولُ الآلهة:
امتدادُ يدي اليمنى
شمسٌ لا تغيب
وضفّتي الأخرى
ليلٌ لا ينتهي
والبشرُ حمامٌ زاجلٌ بينهما
لكنّهم تاهوا
في شرايين المسافةْ.
5
العبثُ هو الملكُ الوحيد
الذي تربَّعَ فوق جمجمةِ
المعنى.
رأيتُهم يفخِّخونَ اللحظةَ الراهنة
حين سمعتُ بشراً
يصرخُ في سرّهِ:
يا أيها المكان
يا سجَّانَ كلَّ شيء
كلَّ شيء
من البدءِ للأبدْ
ليس في حناياك إلّا الزبدْ.
6
أنا النسرُ
سمعتُ أنينَ الوقتِ…
لم أقبضْ سوى الريح،
كيف مضى ما مضى
وما هذا المكان؟!
قالوا إنِّي عدوٌ
وإنني أُدعى الزمان،
الجمرُ في رئتي
وفي أطرافِ أجنحتي
فإلى متى هذا النزيف؟!
إلى أين أُرسِلتُ
وما هذا الجسدْ؟!
ما أراني إلّا تائهاً
في غابةِ الخلقِ
ولستُ درباً للأبدْ.
7
الصمتُ سريرُ الكلامِ
والجنونُ وسادة
هكذا العالمُ يعبرُ
بين موتٍ وولادة.
8
الجبالُ موطني،
لا أريدُ أن أكونَ رسولاً
ولا النزولَ ثانيةً.
أُحلِّقُ في سمائي وحيداً
الريحُ سريري،
أقولُ لآلهةِ السموات:
في كلِّ فردٍ نسرٌ
لا يريدُ أن يطير،
فكيف لي أن أكونَ الجسرَ
بين البشرِ والحياة؟!
التاريخ: الثلاثاء22-6-2021
رقم العدد :1051