الملحق الثقافي:حسين صقر:
ماذا يعني أن تستيقظ وترى الصورة نفسها؟. أن تنام وتختزن ذاكرتك الاسم نفسه، وتحمل في ثناياها ودهاليزها الملامح ذاتها؟.. أن تأكل وتشرب وتلبس، وترافقك العيون والوجه والابتسامة ذاتها..
ماذا يعني أن تهيم في الطرقات والأزقّة، وتلازمك تلك الروح التي استوطنت جسدك القابع على محطات الزمن؟.
يعني أن كتلة من المشاعر، وموجة من الأحاسيس، اجتاحت كيانك واستحوذت على روحك وخيالك، وأطلقت لك العنان كي تتمسّك بها، وتتمنّى حضورها، ومنحتك التفويض الشرعيّ، كي تسامرها في الحضور وعند الغياب.
ولدي الغالي: مُذ أقفلتُ الباب لآخر مرّة مودِّعاً إلى بلاد الاغتراب، فتحت باباً آخر على مصراعيه، لاستعراضِ الذكريات الجميلة التي قضيناها في طفولتك، ولإغلاقِ منافذ المتطلبات التي ينتظرها كلّ ابنٍ من أبيه.
عندما أرى عينيك، أقرأ أجمل وأرقّ القصائد.. ترقص فراشات نيسان على أنغامِ كلماتك الرقيقة، التي تتناهى إلى مسمعي عبر تقنياتِ الاتصال، أشعركَ تردّدها بين شباب القرية كلّ صباح، وأتمنى في كلِّ لحظة أن تكون بينهم، ترقص وتغنّي وتحتفل، وتجالسهم سهرات سمر الربيع والصيف، وتردّد إلى جانبهم أغاني الفرح.
كّلما خطرتَ في ذهني، تثمر الأزهار بالمعاني، وتعزف سيمفونيّة اللقاء المنتظر، أجمل ألحان الغدِ المشرق بالعودة المظفّرة، وعندما يخيّل إليَّ أنك عائد لتبني مع البقيّة وطننا العزيز، الذي تكالب عليه الأعداء والأعراب، وشكلّت الأحقاد حوله هالة من السواد، تعانق النجوم القمر في رحلةٍ إلى سرمديّة السرمد، وترسو في تلك اللحظة سفينتي على شاطئ الأمان، لترتاح عند حبّات الرمل التي تتقاذفها أمواج السعادة.
إلى عينيك اللامعتين أغنّي، وبرؤيتهما أفرح، وعبرهما أحلم بغدٍ مشرق يرمي خلفه سنوات عجاف من الآلام والمآسي، ويحطّم صخرة صلدة من التحديّات، زرعها الكارهون في دروبِ الازدهار التي اتّضحت معالمها، وباتت عناوينها أشهر من نارٍ على علم، وكادت بلادنا أن تكون في مصاف الدول المتقدمة.
ولدي: مذ أقفلت الباب مودعاً، تغيّر شكلُ الحياة، بهتت صورها، وصمت صوت عودها، ولم يعد لأيِّ شيءٍ طعم.. اختفت السعادة وجفّت ينابيع الهناء، طال الليل والتهمني الانتظار.
من بحر عينيكَ يولد الأمل، ومن وعودك بالعودة إلى الوطن الجريح، وأنفاسك القابعة في صدري، استمدّ قوىً أنهكها الغياب.. مع كلِّ فجر أعلل نفسي بأن الباب الذي أغلقته مودعاً، حابساً في مقلتيك دموع الإصرار والطموح، سوف يُفتح وتطلُّ منه مفاجئاً إيايّ، قبل أن يسافر بنا قطار العمر، وتتخشّب كروم الشباب، أو تيبس سنابل الحياة..
التاريخ: الثلاثاء22-6-2021
رقم العدد :1051