الملحق الثقافي:جورج شويط:
قدمت مديرية الثقافة في اللاذقية مسرحية «الزواج سنة ٢٠٣٠»، عن نصٍّ للكاتب الروسي «غوغول». إعداد وإخراج الدكتور «محمد إسماعيل بصل»، وقد لاقى العرض إقبالاً جماهيريّاً لافتاً، يدلُّ بأن الجمهور متعطّشٌ لمسرح، يلاقي على خشبته عملاً يحاكي واقعه ويحترم عقله.
المسرحية كتبها «غوغول» عام ١٨٤٢ وحملت عنوان «الزواج»، وتعالج مشكلة اجتماعيّة وأخرى اقتصاديّة، في المجتمع الروسي في تلك الفترة، من خلال حكاية بسيطة تتحدث عن ابنةِ تاجرٍ كبير، دخلت في سن العنوسة ولم يتقدم إليها أحد، إلى أن تأتي الخطّابة وتعرض عليها مجموعة عرسانٍ دفعة واحدة، فتغمر الفتاة الفرحة وتحضّر نفسها لاستقبالهم واختيار الأنسب.. لكنَّ المفارقة حضور الرجال في التوقيت نفسه، ما يؤدي إلى حدوث نزاعات ومنافسات ومناقشات بينهم، وبأسلوبٍ كوميدي يُعرّي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والخواء الكبير الذي كان سائداً في روسيا آنذاك.
بالنتيجة، يتغلب صديق الموظف الذي أقنع صديقه بفكرة الزواج، على جميع المتقدمين للخطبة، فيهربون ويُخلون الساحة له. لكنّ الرياح تجري بما لا تشتهي السفن، فيخسر الصديق رهانه عندما يقرِّر الموظف الهروب من بيت الخطيبة، في لحظةٍ لم يكن موجوداً في الصالون سواه، ويكون الهرب عبر النافذة.. يرمي نفسه منها، ويستقلُّ سيارة أجرة، معتبراً أنه ربح نفسه عندما قرّر عدم الإقدام على ما لا يستطيع تحمل أعبائه.
الدكتور «محمد إسماعيل بصل» لم يأخذ الحكاية ويقدمها كما هي، بل اعتمد على حبكتها وروح الكوميديا فيها، وألّف نصّاً جديداً متَّصلاً اتصالاً وثيقاً بواقعنا وحياتنا اليومية، وبهموم مجتمعنا وتطلُّعات شبابنا. لقد لامس بيئتنا بطريقةٍ لا يقدر عليها إلا من امتلك ناصية الكتابة المسرحيّة، ولديه باع طويل وحرفيّة في صناعة النصِّ المسرحي.
الإعداد الذي قام به، لم يقتصر على تسمية الشخصيات بأسماء عربية فحسب، بل تعداه ليشمل الحكاية وتداعياتها وحبكتها وعقدتها وخاتمتها، ولهذا عنون مسرحيته بـ «الزواج سنة ٢٠٣٠»، فقد حاول استشراف حال موضوع الزواج في المستقبل، وعما إذا كان سيتاح للشباب، وهو بذلك عرى الواقع، ووضع إصبعه على أكثر من جرحٍ، ممعناً في التهكّم من واقع، حاول التفكير بتغييره نحو الأفضل، ولطالما كانت السخرية سبيلاً لوضع النقاط على الحروف، فهي ناجعة أكثر من البكائيات والمرثيات والميلو درامات، فأن تضع يدك على الوجع، يعني أنك توجّه نحو معالجته.
لقد لعب د.»بصل» لعبته المشهود له بها، وهي لعبة «المسرح داخل المسرح» مُبعداً بذلك المسرحية عن نمطها الكلاسيكيّ، الذي ولدت فيه قبل أكثر من مئتي سنة، وهي لعبة تسمح للمخرج بالتوجّه إلى المتفرج مباشرة، دون تكلّف حتى لو كانت الإمكانيات الماديّة ضعيفة، فالأسلوب المسرحي يجعل المتفرج مشدوداً طوال فترة العرض، لأن الممثل قد يتوجّه إليه في زمانه ومكانه بأيّ لحظة، ويمكن أيضاً، أن يترك الخشبة وينزل إلى الصالة، ليدعو المتفرج إلى مشاركته بعض تفاصيل العرض.
حتماً أمتعنا العرض، وتفاعلنا مع الممثلين الذين قاموا بأداء أدوارهم بشكلٍ أقرب للاحتراف منه إلى الهواة، إضافة إلى أن التنظيم كان سيّد الموقف، فالكلّ برع في دوره، وتفاعل مع شريكه بشغفٍ قلَّ نظيره.
ما يُلفت في العرض، التفاعل بين الأجيال، فالأطفال والصغار والشباب والكبار، كانوا جميعاً على الخشبة روحاً واحدة، وإذا كنا لا نستطيع المرور على الممثلين واحداً واحداً، إلا أننا ننوّه إلى أدائهم عموماً.
نوجه لهم جميعاً بطاقة شكر، ونقول في الختام: المسرح ما يزال بخير طالما هناك أشخاص يعشقونه، ويبذلون من أوقاتهم الشيء الكثير لأجله، محترمين عقول المتفرّجين فيما يقومون به.
التاريخ: الثلاثاء22-6-2021
رقم العدد :1051