“طهران تعلن التوصل إلى نص واضح في محادثات فيينا بعد التفاهم على نقاط الخلاف حول الاتفاق النووي، وأن مسودة الاتفاق تحتاج إلى قرار سياسي من واشنطن والأطراف المشاركة”، ما يعني أن الكرة الآن في ملعب الإدارة الأميركية الجديدة، فهل يفي بايدن بوعوده في عودة بلاده إلى الاتفاق؟، أم يواصل سياسة المناورة بقصد الضغط والابتزاز؟، وماذا عن الأطراف الأوروبية المعنية، هل ستتخذ خطوات فعلية لتأكيد التزاماتها، أم ستبقى داعمة للاتفاق إعلامياً فقط؟.
التصريحات الأميركية أثناء وغداة انتهاء الجولة السادسة من محادثات جنيف، لا تعكس في الواقع رغبة حقيقية في ترجمة الأقوال إلى أفعال على الأرض، فرغم التصريحات الإيرانية والأوروبية والروسية المتفائلة بقرب التوصل إلى اتفاق خلال الجولة القادمة، بقي الموقف الأميركي يغرد خارج السرب، وهذا ما أشار إليه جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأميركي بقوله: إن المسافة ما تزال طويلة، وكذلك الأنباء الواردة من واشنطن بعدم استعداد إدارة بايدن لرفع حظر بيع السلاح لإيران، الأمر الذي يثير الكثير من الشكوك حول مدى الجدية الأميركية في العودة القريبة إلى الاتفاق.
الذريعة الوحيدة التي مازالت الولايات المتحدة تتمسك بها هي مسألة “التوازن بين رفع العقوبات وتراجع إيران عن خفض التزاماتها”- أي من يبدأ الخطوة الأولى- والتعنت الأميركي بهذه المسألة هو من أجل تعقيد المفاوضات فقط، وإلقاء اللوم على الجانب الإيراني، لأن حل هذه النقطة واضح جداً، فمن انتهك الاتفاق وانسحب منه هو من عليه اتخاذ الخطوة الأولى، لأن الإجراءات الإيرانية جاءت رداً على الانسحاب الأميركي من الاتفاق، وعلى عدم التزام الأطراف الأوروبية ببنوده، ولكن الواضح أن أميركا تريد المماطلة والتسويف بهدف منع إيران الاستفادة من الفوائد المترتبة على رفع العقوبات، وربما تحاول التأجيل بانتظار الحكومة الإيرانية الجديدة على أمل تجريب العمل معها لتحصيل تنازلات هي بعيدة المنال عنها في ظل أي حكومة كانت، لأن الموقف الإيراني بعدم المساومة على الحقوق النووية المشروعة صريح ومعلن، وغير قابل للنقاش، وإدارة ترامب السابقة أدركت ذلك جيداً، ويجب على إدارة بايدن أن تعي هذه الحقيقة أيضاً.
من الأفضل لأميركا عدم الاستماع لأعداء الاتفاق، وأن تسارع باتخاذ قرارها السياسي بالعودة إليه لأن الوقت ليس في صالحها، وكذلك الأمر بالنسبة للأطراف الأوروبية، عليها عدم الانصياع خلف الرغبات الأميركية، وإبداء التزامها الفعلي ببنود الاتفاق وليس التماهي مع الانتهاك الأميركي بذريعة الخوف من تداعيات الحظر الذي ما زالت تفرضه الولايات المتحدة على إيران، فطهران تمكنت من رفع نسبة التخصيب إلى 60 بالمئة، ولن تعجز عن رفع مستواه إلى أكثر من ذلك عند الحاجة، ولن تستطيع وكالة الطاقة الذرية إرغامها على قبول مراقبة أنشطتها النووية السلمية مهما بلغت حدة الضغوط الأميركية والغربية، وإدارة بايدن أدركت جيداً حقيقة الفشل الذي منيت به الإدارة السابقة بهذا الشأن، فإيران لن تقبل في النهاية بعودة أميركية مشروطة، وهي من تحتاج لضمانات دولية تلزم أميركا وشركاءها الأوروبيين عدم انتهاك الاتفاق مجدداً.
البقعة الساخنة – ناصر منذر