الثورة أون لاين – عبدالمعين زيتون:
إنجاز رائع بكل المقاييس هذه الملحمة التي أتحفت بها – وزارة الإعلام من خلال المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي – أتحفت بها الجمهور السوري و ذاكرته التي تحتاج هذا التوثيق العميق الذي أبدعه الكاتب محمود عبد الكريم، وتماهى مع وجدان الكلمة والحدث المخرج الفذ نجدت أنزور.
توثيق المعرفة، والحادثة، والحدث برمته والتحكم الدرامي الجميل والسيطرة على المعلومات التي تبدو وكأنها غير محدودة، لأنها ترتبط بوطن اللاحدود، وطن الوجدان، والحب، والتاريخ.
سيطرة وإدارة، بدا فيها العمل محكماً بالمعلومات والأدلة الدامغة في الاستشهاد على وقائع ما حدث بكل تفاصيله وجزيئاته..
ليشكلِّ بالمجمل، ذاكرة متجددة ثرية تنبض بالإبداع الذي يأخذ المشاهد إلى نشاط ذهني مختلف، يضرب بعمق وجدان الحلقة المغلقة (للفنان والمتذوق) بآنٍ معاً..
لأنها بلادي، ملحمة ترقى إلى إبداعٍ مستحدث، وتنأى بتقنياتها و أدواتها وأحداثها و الأداء الراقي للممثلين فيها _تنأى عن كونها عملاً أو إنتاجاً درامياً عادياً.
فالأداء الذي يبصم في الذاكرة الجمعية للمجتمع يرقى بريقه ليلامس الأهداف الكبرى..
والأهداف المتجددة التي تمنح الفعل ورد الفعل، البريق الذي يلامس جبين الوطن..
ويلامس الصورة الحقيقية، للناس، للأفراد، للفاعلين (ويبدو هنا الجيش العربي السوري)، أقوى الفاعلين في صورة هي أقرب للواقع وأقرب للحقيقة.
لم تكن إذن “لأنها بلادي” ملحمة تجسد يوميات مقاتل عادي، بقدر ما كانت توثق لحظات و دقائق و ساعات المقاتل البطل، والمقاتل، الإنسان، والمقاتل العاشق وما تفاعل فيها، في روح هذا المقاتل من أحداث عاشها، وأحداث صنعها، وحكايات وجد نفسه في قلبها تارة، وتارة وجدتني أراه، كيف أنشأها لتكون على صورة هيئته الكبرى من داخل وجدانه ونفسه وروحه الملأى بالمشاعر والأحاسيس.
وإذا كان من الصعب علينا أن نحيط الآن بمحتوى هذه الملحمة “لأنها بلادي” خاصة وأننا مازلنا في حلقاتها الأولى، ومن الباكر الوقوع في المشاهد والحكايات الأعمق التي لم يأتِ وقتها بعد، إلاّ أنه من الجلي بمكان أن العمل واحد من الإبداعات الفنية والدرامية الكبيرة، التي تكتب سطورها في ذاكرتنا، ليس بأنامل الكاتب والمخرج وحسب، بل بحوافر الخيول التي أبدعتها تلك الأنامل و تطلع فرسانها نحو الشمس..
هذه الشمس التي تشرق أبداً وتغرب وكأنها كرة من نور تتابع دورتها من طرف إلى طرف في جبين الوطن الأغلى _سورية_
إن الحكاية الدرامية تشدُّ المتذوق (المتلقي)، بلا شك، لكنها عندما تكون واقعاً تأخذ روحه وقلبه وكيانه إليها، ليكون مبدأها ومنتهاها بآن معاً..
فالقصد من هذه الملحمة الوطن..
الوطن بكل محتواه الروحي والحضاري، والإنساني..
وقبل كل هذا، المحتوى الوطني الذي لايعلو عليه أيّ عنصر آخر..
وها نحن ننتظر نهاية حلقات هذه الملحمة الإبداعية الوطنية، ليكتمل المشهد الكلي لهذا الإنجاز، ولا نقول ليكتمل الحديث عنه، لأن اكتمال الحديث بنهاية الحلقة (26)للعمل، ربما يحتاج إلى أدوات و ومفردات لا أملكها وحدي.
“لأنها بلادي” سنتابعها بوجدانية ترقى إلى مضمونها الإنساني والوطني الفذ الذي يترجمه تباعاً أفراد وضباط الجيش العربي السوري الذي لم يشكلوا حلقة منعزلة عن مجتمعهم ووطنهم بكل أفراده و أناسه ومدنه وبلدانه وقراه، وهذا ما يعطي هذه الترجمة جمالية خاصة، رغم الحزن والمأساة..
وليس ثمة ماهو أروع من ولادة الفرح أخيراً من عمق المأساة
