الثورة أون لاين _ فؤاد مسعد:
“أطلب الموت توهب لك الحياة وإن لم توهب لك تهبها بموتك لأهلك ولأحبابك ولشعبك ولوطنك”.. هي عبارة تلخص الكثير من العِبَر، جاءت على لسان أحد الضباط في الصفحة السادسة من السلسلة التلفزيونية (لأنها بلادي) ضمن حكاية (الطريق إلى الجنوب)، إنها واحدة من القيم السامية والنبيلة التي يحملها الجندي السوري في قلبه ووجدانه، وقد برزت في الحلقة ضمن اجتماع لضباط يناقشون موضوع الحرب في مثلث الموت بالجنوب السوري، وحجم الهجمة الشرسة التي تحضّرها فصائل المسلحين بدعم من اسرائيل.
تتناول سلسلة (لأنها بلادي) وقائع من الحرب الإرهابية التي شُنّت على سورية، وهي من إخراج نجدة أنزور، وتأليف محمود عبد الكريم، وإنتاج وزارة الإعلام – المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي، وخلال حكاية (الطريق إلى الجنوب) يتم رصد العديد من الموضوعات الهامة التي تُبرز تمسك السوري بأرضه وتجذره فيها ورفضه التعامل مع الإسرائيلي ما عدا قلة قليلة جداً باعت نفسها للشيطان، كما تظهر مقدار الشجاعة والتضحية والروح الوطنية العالية للشعب وللجيش العربي السوري، وقد تضمنت الحكاية حوارات حملت العديد من الدلالات، وقدمت حقائق يجهلها كثيرون أو لا يعرفونها بهذه الدقة خاصة أنها طُرِحت بلغة عسكرية تُقدم حالة توثيقية في جوهرها، ودارت الأحداث حول بطولات الجيش في حوران السهل والجبل، حيث تم التركيز على المعارك التي جرت في (مثلث الموت) وهو تلال تشكّل نقطة لقاء بين القنيطرة ودرعا وريف دمشق، حيث حاول الإرهابيون كسر خط الدفاع عن دمشق بإدارة مباشرة من ضباط أجانب وصهاينة، وقدّم أبطال الجيش التضحيات لإسقاط الخطة الميدانية الاستراتيجية للإرهابيين ومشغلّيهم، كما يظهر العمل مواقف
وطنية ناصعة لأبطال مجهولين عاشوا في مناطق سيطرة المسلحين وساهموا في إسقاط الهجمات الوحشية.
نتابع في الحكاية خط الأب الذي كان ضابطاً في الجيش العربي السوري، وحمل الصواريخ في حرب 1982 لإيصالها إلى المقاومة ولكنه اليوم يموت ألف مرة لأن ابنه انضم إلى الإرهابيين ويعمل مع الصهاينة، ولكن كانت عبارة الأب النابعة عن يقين هي الأبقى (سورية أكبر منهم كلهم) ، ومن الأفكار العديدة التي طرحت في القصة فكرة أن العدو واحد في إشارة إلى الدعم السوري للمقاومة، وأنه رغم دوران الأحداث في حوران وما حولها إلا أن إدلب حاضرة عبر حوارات الجنود، فسورية موحدة وكل شبر من أرضها يعني الكثير لكل شعبها، ومن المعلومات التوثيقية التي جاءت على لسان الراوية الإشارة إلى رسالة واشنطن لقادة الفصائل المسلحة في الجنوب تدل على تخليها عنهم فلجؤوا إلى اسرائيل للحصول على الدعم النقدي والسلاح، الأمر الذي يبدو جلياً عبر الأحداث من خلال تنامي الدور الصهيوني والذي جُوبِهَ برفض من القاعدة الشعبية في المنطقة
يتحدث بجراة وشفافية وواقعية، عن وقوف الأهالي إلى جانب الجيش ومده بالمعلومات، وقد استطاع الجيش العربي السوري تحطيم حلم إسرائيل بإقامة حزام أمني في الجنوب، الأمر الذي عبّر عنه أحد الضباط بقوله “صمودنا وصمود الشعب يشبه صلابة صخر الجولان”.
أظهرت كاميرا المخرج تلون الإسرائيلي الأشبه بتلون الثعلب، كما حافظت على عنصر الإبهار من خلال المعارك واستخدام الطائرات والدبابات والصواريخ والجموع العسكرية، وحرص كل من الكاتب والمخرج على إضفاء حالة من التمازج بين الخط العسكري والخط الإنساني لدى الجنود، فكما نراهم يقاتلون باستبسال هم يغنون ويزرعون الأرض بروح معنوية عالية وثقة أكيدة بالنصر، ولعل أحد أبلغ المشاهد التي حملت عمقها أن جنود الوطن الذين يذودون عنه يزرعون أرضه ويمنحونها الحياة لتكسو التربة باللون الأخضر