الثورة أون لاين – دينا الحمد:
لم يكن عبور المدمرة البريطانية “ديفيندر” الحدود الروسية في البحر الأسود مؤخراً الاستفزاز الغربي الأول لموسكو، وتحديداً بالقرب من شبه جزيرة القرم، ولن يكون الأخير على ما يبدو، لأن بريطانيا ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية وحلف الناتو مازالوا يلهثون جاهدين لتأجيج الأوضاع في محيط روسيا وبحارها ومحاولة ابتزازها في ملفات عالمية كثيرة.
ورغم أن أسطول البحر الأسود الروسي أطلق قذائف تحذيرية تجاه المدمرة ووصف المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية استفزازاتها بأنها إخفاق حقيقي وسيبقى وصمة عار لسمعة البحرية الملكية البريطانية ووزارة الدفاع الأميركية البنتاغون لوقت طويل، إلا أن واشنطن ولندن والناتو لا يهمهم العار بقدر ما تهمهم مصالحهم الاستعمارية التي تجعلهم يجوبون بحار العالم ومحيطاته من الصين شرقاً إلى روسيا شمالاً والمتوسط جنوباً، يفخخونها بالأزمات ويؤججون الصراعات في طولها وعرضها.
وتدرك واشنطن وأدواتها في أوروبا أن موسكو لن تسمح لقوى الناتو بتوتير الأجواء في محيطها، ولطالما دعتهم روسيا وهم يرسلون سفنهم الحربية إلى البحر الأسود إلى الاسترشاد بالعقل وعدم المخاطرة والسير خلف جنرالات الأسطول الأوكراني، لأن روسيا في نهاية المطاف ستدافع عن حدودها بجميع الوسائل بما فيها العسكرية كما صرحت موسكو غير مرة، وأن التصرفات البريطانية الأخيرة التي تريد إثارة نزاع في البحر الأسود على خلفية انتهاك المدمرة “ديفيندر” المياه الإقليمية الروسية لن تجدي نفعاً.
إن تحركات بريطانيا وأميركا والناتو في البحر الأسود ومحاولة تطويق روسيا بالأزمات غير آبهين بالقوانين الدولية هي سياسة درج عليها الغرب منذ أمد بعيد، ولذلك رأينا كيف تقوم قوى العدوان الغربية منذ فترة ليست ببعيدة بالإدعاء والترويج أنها تدعم استقلال أوكرانيا وحرية شعبها، والكثير من السذج في هذا العالم يصدقون مزاعمها تلك، مع أن تحركاتها في أوكرانيا وفي ما يعرف بدول “الطوق الروسي” وإثارتها للأزمات هناك، ودعمها لما يسمى “الثورات الملونة” بات مكشوفاً للقاصي والداني، ويفضح إدعاءاتها وأكاذيبها، ويكشف أن هدفها هو تطويق روسيا بالأزمات وافتعال المشاكل بينها وبين جيرانها، وحصارها ودفعها للموافقة على الشروط الأميركية المتعلقة بأكثر من أزمة عالمية.
وإذا حاولنا قراءة تلك التحركات والاستفزازات الأميركية والغربية لروسيا، وتحديداً في دول “الطوق الروسي” وفي مياه البحر الأسود في العقدين الأخيرين، وما تبعها من أحداث عاصفة سماها الغرب “بالثورات الملونة” لأدركنا حقيقة ما يجري من فوضى هدامة تريد واشنطن نشرها هناك وإغراق روسيا بالمشاكل والأزمات، وإسقاط الحكومات الموالية لها ومتابعة استكمال الطوق الحديدي حولها، وما فعلته المدمرة “ديفيندر” في المياه الإقليمية الروسية بالقرب من “القرم” هو حلقة في تلك السلسلة من الاستفزازات الحربية.
هكذا تعبث أميركا بالأمن والاستقرار في البحر الأسود وفي مناطق غرب آسيا وشرق أوروبا لتحقيق مصالحها الاستعمارية.. وباسم الأمن والسلم الدوليين تثير الأزمات في دول الطوق الروسي، وحين تفشل استخباراتها بتلك المهمة توعز لأدواتها في أوروبا إتمام المهمة، وما فعلته “ديفيندر” خير شاهد.
