الجنوح الأميركي نحو التصعيد وتأجيج التوترات على الساحة الدولية، يعطي تأكيداً واضحاً على أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن إستراتيجيتها المدمرة لأمن الشعوب واستقرارها، وهذا واضح من خلال الاستمرار بانتهاج أساليب البلطجة نفسها، واستخدام الأدوات ذاتها من أجل الحفاظ على هيمنتها الأحادية، الأمر الذي يشير إلى حالة العمى السياسي لدى أركان إدارة بايدن، وعجزهم عن قراءة المتغيرات الدولية الحاصلة بصورة واقعية وموضوعية.
للمرة الثانية يعطي بايدن أمراً بشن عدوان على مواقع في المنطقة الحدودية السورية العراقية، والهدف الحقيقي خلافاً للمزاعم الأميركية، هو توجيه رسالة واضحة بأن المساس بتنظيم “داعش” الإرهابي خط أحمر بالنسبة لإدارته، ومن غير المسموح لأحد محاربة هذا التنظيم باعتباره منتجاً أميركياً خالصاً، لاسيما وأن هذا العدوان تزامن مع اجتماع روما لأعضاء “التحالف الأميركي” المزعوم لمحاربة “داعش”، ما يعني أن ثمة توجهاً أميركياً لإعادة ضبط آليات الدعم المقدمة للتنظيم الإرهابي من قبل متزعمي هذا “التحالف”، وهذا ما يعززه التحشيد الأميركي الواضح على هامش الاجتماع، لمحاولة فرض رؤية البيت الأبيض لتوسيع المعابر الحدودية اللا شرعية لإدخال المزيد من “المساعدات” اللوجستية والعسكرية للتنظيمات الإرهابية تحت اليافطة “الإنسانية”.
العدوان الأميركي الغادر جاء قبل يوم من لقاء مقرر بين بايدن ورئيس الكيان الصهيوني رؤوفين ريفلين في البيت الأبيض، وهذا يعطي مدلولاً إضافياً على أن الاعتداءات الأميركية المتواصلة تصبّ في خدمة المشروع الصهيوني في المنطقة، فمن الواضح أن إستراتيجية بايدن تقتضي حماية فلول “داعش” والعمل على إعادة إحيائه مجدداً ليبقى ذريعة دائمة بيد أميركا لإطالة أمد وجودها الاحتلالي، وهي ترمي لتثبيت تموضع إرهابيي التنظيم على طول الحدود السورية العراقية لقطع التواصل بين دول محور المقاومة، لاسيما وأن تلك الاعتداءات تتزامن مع تكثيف الجيش العربي السوري وحلفائه عمليات التمشيط في البادية السورية لملاحقة فلول التنظيم، ومع العمليات الأمنية للقوات العراقية بتعقب الإرهابيين على الأراضي العراقية، وفي ظلّ المطالبات العراقية بسحب قوات الاحتلال الأميركي، ما يشير إلى أن إدارة بايدن تحاول إحداث تغيير في موازين القوة التي فرضتها انتصارات الجيشين العربي السوري والعراقي وحلفائهما في الميدان، لتزيد من حدة تفجر الأوضاع في المنطقة بما يخدم الأهداف الصهيونية.
أميركا تكذب عندما تدعي أنها تعمل مع أتباعها لاستقرار أمن المنطقة، ويكفي ما خرج به اجتماع روما بخصوص سورية من اجترار للأكاذيب ذاتها، فأي حل سياسي في سورية يكون فقط من خلال مراعاة الثوابت الوطنية للسوريين، وأساسها أن لا مكان للإرهاب على أي جزء من أراضيهم، والحفاظ على وحدة وسيادة بلدهم، فاجتثاث الإرهاب، والتوقف عن دعمه، وإنهاء الاحتلالين الأميركي والتركي، وتخلي الغرب عن سياساته العدوانية، هو الطريق الصحيح للحل، لأنه لا معنى لأي حل سياسي طالما بقيت الدول الداعمة للإرهاب مستمرة بنهجها العدواني لمحاولة تكريس مناطق نفوذ لها على الأرض، والحل المستدام يقتضي بالضرورة إعادة بسط الدولة السورية سيطرتها على كلّ شبر من أرضها، فهل تعي أميركا وأتباعها؟.
من نبض الحدث – بقلم أمين التحرير – ناصر منذر