يرتبط اسم عنترة في الذاكرة الشعبية بالكثير من القصص والقضايا القيمية والأخلاقية التي يتغنى بها الجميع، ولاسيما أن ما قدمه عنترة عبر سيرته الشعبية التي دخلت كل مكتبة، وكل منزل، ولا نظن أن أحداً من جيلنا لم يقرأها، ولاسيما أنها كانت من كلاسيكيات السير الشعبية التي يجب أن تكون حاضرة في كل بيت، وعند كل سهرة صيفية، في البساتين والمقاهي، الرواة جاهزون لسردها، كل واحد منهم يقدم ويؤخر ويضيف، الحرمان الذي تعرض له والشهامة التي يظهرها كقيمة أخلاقية عز نظيرها.
عبلة التي كانت محور هذا التحول والتجلي، ونقطة الجذب التي يعمل عنترة على الوصول إليها، والظهور أمام العم المتعنت بمظهر البطل حامي الحمى، سيرة عنترة اليوم نحتاجها بقوة، نريدها استلهاماً، ولو بالنزر اليسير منها ، افتقدنا البطولات الفردية القيمية عند الكثيرين، ولا بد من العمل على استعادتها بشتى الطرق والوسائل، وقد يسأل أحد ما: ولماذا عنترة وليس غيره؟.
في مرويات المخيال الشعبي كما رددها الآباء والأجداد، أن عنترة حين غدا بطلاً لايشق له غبار، ونال رضى القوم، بل تسيد القبيلة، غدا سيد المجلس، يقص ويروي وينشد، ومن الطبيعي أن يسأله أحد الحضور: كيف أتيت هذه الشجاعة كلها، فكم من ضخم البنية ليس له من الشجاعة شيء، يجيب عنترة _ وعلى ذمة الرواة – ( كنت في المعارك أعمد إلى الجبان أضربه بسيفي هذا ضربة يطير لها قلب الشجاع ).
وربما يقابل هذا المثل الشعبي (الحكي للجيران، اسمعي يا كنة) ونحن في هذا المر الكالح الذي تكالبت فيه ثعالب الأرض علينا، تعود قصة بطولة عنترة، ولكن بصيغة أخرى مختلفة تماماً، كم من ضربة وجهت لنا نحن الفقراء، نالت منا، أخذت مما لدينا، كل يوم وليلة ضمائر تنام، لا تصحو، والمرمى نحو صدور الفقراء والمعوزين، وكأن المتنبي كان يعنينا حين قال ( تكسرت النصال على النصال).
ضربات الألم الممض لم تطر قلوب حيتان الجشع والمال، خوفاً منها ، لا ، بل ربما يقولون: هل من مزيد، وجهوا المزيد من الضربات فإذا أفلت القوم كانوا .
نحتاج حكومة تضرب بيد عنترة، لا ترحم فاسداً، تعرف كيف تدير الأولويات وتمتص الكثير مما يعانيه المجتمع، بغض النظر عن أسبابه، لن نختلف على الكثير الكثير، لكن الشماعات كثرت، استطالت حتى غدت غابات خشبية يابسة انتقل الكثير منها إلى تصريحات يهرف بها البعض، وكأنه لا يعرف أن الوعي الشعبي قد قطع وعيه بأشواط، يعمل ويأمل ويثق بالغد، لكنه في مرمى تأجيل الأولويات والذهاب إلى ما يمكن أن يكون الآن، وربما في الدول التي تعيش ترفها لايمكن أن ينجز، فكيف بنا، لنكن واقعيين، أي مشروع مهما عظم لا يهم من يبحث عن لقمة الخبز، الواقعية تعني أن نضرب على وتر الحياة ونمضي بتنفيذ مشاريع الغد، الزرع الآن للقمح والخضرة والغذاء وبناء الوعي، ننتظر أن تطير قلوب الحيتان خوفاً، لا طرباً بما سيجنونه.
معاً على الطريق – ديب علي حسن