تغادر القوات الأميركية والأطلسية أفغانستان تحت جنح الظلام بعد تدميرها ونهب ثرواتها بحجة مكافحة الإرهاب حيث أخفقت في هذه المهمة وتركت البلاد عرضة لتطورات دراماتيكية وعسكرية وسيطرة القوى التي تعتبرها واشنطن إرهابية.
إن الانسحاب الأميركي _ الأطلسي من هذه الدولة التي مزقتها الحرب والصراعات منذ أربعة عقود يقدم دلالات مهمة للقوى الحزبية والسياسية والأنظمة في نفس الوقت التي تعول على غيرها لتحقيق مصالحها الضيقة وأولها إن الاحتلال زائل مهما طال الزمن وإن إرادة الشعوب لا يمكن قهرها والحق سيعود إلى أصحابه الذين لا يفرطون به أو يساومون عليه.
الملاحظ أن الأعلام الغربي _ والأميركي يتعمد عدم الخوض في متابعة الانسحاب العسكري الغربي من أفغانستان متجاهلاً أن هذا العدوان على هذه الدولة أدى إلى مقتل مئات الآلاف من المدنيين وخسائر كبيرة في القوات الأميركية والأطلسية دون أن ينعم الشعب الأفغاني بالاستقرار أو أن تتفاخر واشنطن بالقول إنها حولت هذه البلاد إلى أداة في استراتيجيتها الدولية.
للأسف ما ارتكبته قلة قليلة من الطبقة السياسية الأفغانية الساعية إلى السلطة قبل عقدين من الزمن تكرر في العراق ودفع الشعب العراقي ولايزال الثمن باهظاً على كل الأوجه والصعد ولكن ما هو مؤكد أن الانسحاب الأميركي من العراق لن يتأخر كثيراً في ظل رفض الشعب العراقي له وإرادة المقاومة المستمرة، رغم الواقع السياسي المرير الذي خلّفه الاحتلال الأميركي البريطاني لهذا البلد قبل نحو عقدين من الزمن.
في الجزيرة السورية حيث استغلت الولايات المتحدة الحرب الإرهابية التي قادتها على الشعب السوري وأقامت قواعد عسكرية غير شرعية مستخدمة قوى سياسية انفصالية ومرتزقة وميليشيات ومسلحين تصنفهم في قوائم الإرهاب العالمي كأدوات لها لا تزال الفرصة سانحة لإنهاء الوجود الاحتلالي الأميركي وعدم خوض التجارب المدمرة في أفغانستان والعراق والأمر لا يتطلب إلا العودة إلى الحالة الوطنية والكف عن التعويل على المحتلين في تحقيق أجندات انفصالية لا جدوى منها على أرض الواقع.
إن العبر والدروس المستفادة من غزو العراق وأفغانستان يجب أن تكون كافية لدفع أولئك السوريين المعولين على المحتلين الأميركي والتركي لتحقيق أوهامهم للتراجع خطوات وليس خطوة قبل أن يأتي اليوم الذي تنسحب فيه القوات الأميركية وتأخذ معها قلة منهم وتترك الباقين لمصيرهم كما فعلت سابقا في العراق وتفعل اليوم في أفغانستان.
من الواضح أن المحتلين الأميركي والتركي لا يهمهما تحقيق رغبات أدواتهم ومرتزقتهم بل يوظفونها لفرض نزعات انفصالية عليهم تخدم المشروع الصهيوني_الأميركي في المنطقة.
إن من مصلحة القوى المرتهنة للمحتل الأميركي في الجزيرة السورية أن تبادر للحوار مع الحكومة السورية وإبداء الالتزام بسيادة سورية ووحدة أراضيها قبل أن ينفد الوقت وتضيع الفرصة، وما ذكره وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل يومين عن توجه شخصيات في ميليشيا قسد عقب إعلان إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن سحب قواتها من سورية إلى موسكو لمساعدتهم في “إقامة جسور” مع دمشق قد يحدث في أي لحظة ولكن يكون الوقت قد فات.
من المعلوم أن ميليشيا قسد تراجعت في حينها عن مد الجسور مع دمشق بعد تراجع واشنطن عن سحب القوات، وهذا يعكس ارتهانها الكامل للمشروع الأميركي وضحالة رؤيتها السياسية وعدم اكتراثها بالمواطنين السوريين في تلك المنطقة.
من غير المعروف كيف ستفسر وتحلل الميليشيات المرتبطة بالاحتلالين التركي والأميركي قرار واشنطن الانسحاب من أفغانستان ولكن العبرة واضحة والرسالة صريحة بأن الاحتلال زائل والفرص لمن يقتنصها.
إضاءات -أحمد ضوا