الثورة أون لاين – عبد الرحيم أحمد:
بعد عقدين من الزمن على الغزو الأمريكي لأفغانستان، وكما كانت نهايات الاستعمار عبر التاريخ بكل أشكاله، انتهت حقبة استعمارية أمريكية على بلد يتصف بطبيعة سكانية وجغرافية قاسية، لم يعرف خلالها سكان هذا البلد طعم الحياة، بل جل ما كان يحدث قتل يومي بأحدث الأسلحة الأمريكية وأكثرها فتكاً.. فهل تحقق الهدف الأمريكي من ذلك الغزو؟؟.
كان عنوان الحرب الأمريكية على أفغانستان بعد هجمات الحادي عشر من أيلول 2001، وتدمير برجي التجارة العالمية في نيويورك، محاربة التطرف والقوى المتطرفة في أفغانستان، وعلى رأسها تنظيم القاعدة وحركة طالبان، لكن بعد كل هذه السنوات التي أزهقت فيها الآلة الحربية الأمريكية أرواح مئات الآلاف من أبناء أفغانستان، تنسحب واشنطن وتترك هذا البلد تحت سيطرة حركة طالبان مع إعلان الحركة عن سيطرتها على نحو 75 % من مساحة البلاد وتحركها للاستيلاء على ما تبقى.
ومن دون الدخول في جدلية التطرف التي تبيح لنا تصنيف مسؤولي الإدارات الأمريكية المتعاقبة في أول قائمة المتطرفين والمتشددين الذين يشنون الحروب على دول ذات سيادة، ويفرضون عقوبات اقتصادية عليها، وكذلك بغض النظر عن طبيعة حركة طالبان وأيديولوجيتها الفكرية، تبقى الأسئلة والحال كذلك.. لماذا شنت واشنطن الحرب على هذا البلد إذاً؟ ولماذا الانسحاب الآن وبهذا الشكل؟ وماذا حققت واشنطن خلال عقدين من استعمار هذا البلد وإدارة مفاصل الحكم وتفاصيل الحياة فيه؟ وهل أصبحت أفغانستان بقيادتها اليوم أقل خطراً على الولايات المتحدة؟ وكيف سيكون شكل هذا البلد مستقبلاً وما هي علاقته بجيرانه؟ والسؤال الأهم ما هو مصير الجماعات التي تعاملت مع المحتل، وكانت أداته خلال حقبته الاستعمارية؟
الكثير من التحليل يمكن أن يقال في الإجابة عن تلك الاسئلة.. ولعل أبرزها أن واشنطن تريد أن تخلق بوابة مشكلات جديدة للدول المحيطة بأفغانستان كروسيا والصين وإيران، وعامل ضغط وزعزعة، تشغل تلك الدول بجوار تسوده الفوضى عن قضايا دولية في ساحات أخرى ترغب واشنطن أن تكون لها الكلمة العليا فيها.
التحليل يقودنا أيضاً إلى ربط هذا الانسحاب بمسار انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة بشكل عام كالعراق الذي شهد انسحاباً تدريجياً لم يكتمل بعد، وربما سورية أيضاً، في ظل عدم قدرة الولايات المتحدة على تحمل المزيد من الكلف البشرية التي خسرتها في مناطق الصراع التي دخلتها خلال العقدين الماضيين، وخصوصاً مع لجوء الإدارات الأمريكية المتعاقبة لسياسة شن الحروب وإدارتها من الخلف عبر أدوات محلية.
لا شك في أن الانسحاب الأمريكي لا يمكن وضعه سوى على مسار الهزيمة والفشل الذي بدأت تتوضح معالمه أمام كل من روسيا والصين وإيران وفي ساحات الصراع الحقيقية ميداناً واقتصادياً مع تعاظم القوة الاقتصادية الصينية وتوسعها على حساب الاقتصاد الغربي بشكل عام، وكذلك النفوذ الروسي الواضح مع تراجع أمريكي، لكنه في نفس الوقت قد يكون خطة سياسية في اتجاه ربما عرقلة هذا التوسع الصيني / الروسي.
التعهدات الأمريكية للحكم الأفغاني بالدعم في مواجهة طالبان يبقى مجرد كلام، فمع وجود القوات الأمريكية لم تكن واشنطن قادرة على ردع طالبان ومنع هجماتها أو تقليص سيطرتها على مساحات واسعة من البلاد، فكيف وهي منسحبة؟
لا شك في أن الانسحاب الأمريكي المهزوم من أفغانستان يحمل في طياته رسالة للسوريين المتوهمين المراهنين على واشنطن، رسالة على من يعنيهم الأمر قراءتها قبل فوات الأوان، فعملية الانسحاب المفاجئ تؤكد أن الاحتلال الأمريكي مصيره إلى زوال، وأوهام الحماية الأمريكية لن تطول، لذلك المطلوب اليوم من الميليشيات الانفصالية العودة إلى جادة العقل، وإعادة النظر بسلوكها وارتباطاتها، فلا ملجأ لها سوى سورية والسوريين