بقلم رئيس التحرير – علي نصر الله :
في السادس من كانون الثاني 2013 أَطل السيد الرئيس بشار الأسد، إطلالة القائد الصامد الواثق، ألقى كلمة، كانت وستَبقى الخطاب الفَصل، في مَضامينها وعَناوينها ورُؤيتها الثاقبة التي انطوت على تَشخيص دقيق للمُشكلة وحلولها، للمؤامرة وسُبل تَمزيقها.
ما بين السادس من كانون الثاني 2013 وخطاب القسم الذي نَنتظره، وإليه تتجه الأنظار المُترقبة، كنّا على مَوعد دائم -وكلما اقتَضت الحاجة- مع كلمات لسيادته: تُصوِّب المسار، تُؤكد حَتميات الانتصار، تُقوّي العزائم، تُحفّز على كتابة سَطر جديد في أسطورة الصمود والثَّبات، وتُثبّت الثقة بقدرة شعبنا وجيشنا على المواجهة والتصدي للهجمة الشرسة وما اعتَمَلَته من مشاريع فتنوية تدميرية نَجعلها في هذه الأثناء جُزءاً من الماضي.
بالأمس القريب كان “الأمل بالعمل” الشعار للحملة الانتخابية الرئاسية، الذي سنَضعه برنامج عمل، نُترجمه حراكاً وطنياً شاملاً بإرادة صلبة تُفجر طاقة جبارة يَختزنها شعبنا وتَمتلكها دولتنا بمؤسساتها وفعالياتها المُجتمعية. وبالأمس غير البَعيد أكد الرئيس الأسد: “من رَحم الألم يجب أن يُولد الأمل.. ومن عُمق المُعاناة تُجترحُ أهم الحلول” وأضاف سيادته: “الفكرة دفاع، والمَوقف دفاع، والبناء دفاع، والحفاظ على مُمتلكات الشعب دفاع”.
نَقتبس، ونُسجل العودة إلى هذه المَضامين الوطنية لا لنُجدد إيماننا بها فقط، بل لنُؤكد تَصميمنا على التمسك بها لنَستكمل الناجز من انتصاراتنا المُتحققة، ولنُعيد بمَزيد من الثقة والاقتدار إعمارَ ما دَمرته الحرب العدوانية التكفيرية الصهيوأطلسية التي راحت تَأخذ أشكالاً وصوراً أُخرى مُتعددة، ربما لن تكون مُحاولات الحصار والحظر والعقوبات آخرها، فالغزو الثقافي ومُحاولات اللّبرَلَة تَجري باتجاه تشويه المفاهيم والقيم ليس بهدف المَساس بها فقط، بل لنَسف مَنظومتها استهدافاً للمُجتمعات والحضارات والثقافات الأصيلة.
إنّ مُواجهة وجوه الحرب المُتبدلة تَحظى اليوم بالإجماع على مُستوى عالمي واسع، حتى أنها لا تُشكل مَحَط خلاف أو اختلاف، وهو ما ينبغي أن يكون الأمر الذي يُعظم فعل المُقاومة الذي يُعري ويُسقط مُحاولات الاستهداف الأميركية الغربية لمُجتمعاتنا وثقافاتنا، لطالما يَتحقق يومياً فعل عدم القبول، ويُترجم على المُستوى الشعبي رفضاً يَحتكم للوجدان الحي والضمير الجَمعي الأصيل.
الداعشية ولغتها، الليبرالية الجديدة ولغتها، هما وَجهان لعملة أميركية واحدة، التطرف قاسمها المُشترك الذي يَفرض تحديات كُبرى على العالم الذي من غير المَعلوم لماذا عليه أن يَقبل أو يَخضع أو يُشارك ويَصطف بعضه – أو أغلبيته – خلف أميركا هنا وهناك لخدمة أهدافها في التدمير والتخريب، وتَحقيقاً لغاياتها في المُصادرة والهيمنة والنهب؟!.
لوجوه الحرب المُتبدلة التي نُواجهها مُنظرون إذا كانوا غادروا مَواقعهم في السلطة، فإنّ التطبيق العملي للنظرية مُتواصل، استمر مع بوش وأوباما وترامب، ويَستمر مع بايدن بالامتدادات الأطلسية ومع مجموعة الأدوات الرخيصة، وإنه لمنَ المُفيد هنا استحضار ما لم يَتردد بإعلانه الأمين العام السابق للناتو أندرس فوغ راسموسن من أنّ القوى العُظمى لا تتقاعد، ومن أنّ العالم سيَبقى بحاجة لأميركا كشرطي للعالم، مُهدداً روسيا والصين، ومُستهجناً ما سمّاه عدم الحزم مع سورية والعراق وليبيا وكوريا. إنّ هذا الاستحضار شديد الأهمية اليوم تماماً كما هو من المُهم استحضار بوش الابن في حَماقة رفع وتَبني مَقولة: “من ليس معنا فهو ضدنا”!.
حروبٌ هجينة تَشنها الولايات المتحدة، لا تَعتمد التقليدي منها خياراً وحيداً لكنها لا تَستبعده، تَمزج بينه وبين حروب الغزو والعَولمة، فالحروب التجارية جارية أيضاً بعنف مُدمر باستخدام الحدود القصوى للإرهاب الاقتصادي بمفردات التّجويع والحصار. تُفرض العقوبات بطبول تُقرع ومن غير طبول يُسمع قَرعها تَمضي واشنطن لقهر الشعوب ولتَمزيق العالم، ودائماً لإعادة رسم خارطة مصالحها وتنفيذاً لسياساتها في الإخضاع وفرض الهيمنة.
لكل ما تَقَدَّم، تَبدو الصورة جليّة، فالحرب لم تَنتهِ، وإذا كانت آثار العدوان المُتواصل واضحة مَنظورة تَتجلى بالصعوبات والمُشكلات التي تُواجه خطط التنمية والبناء في سورية كما في مَطارح أُخرى مُستهدفة حليفة وغير بعيدة، فإنّ وَهماً لا يَسكننا من أنّ خياراتنا في الدفاع والمقاومة تَبقى هي ذاتها يَميزها عن الأمس أنّها تَرسخ مع كثير من الأمل الذي يُولد مُجدداً وأبداً من الألم.
نعم، بالعَمل الصادق المُخلص والوطني، بالفكرة النبيلة الخلاقة، وبالموقف الصلب الأصيل، ومن عُمق المُعاناة، سنَجترح أهم وأفضل الحلول، لنُؤكد أنّ سورية باقية، ستَعود أقوى مما كانت، وأنّ مكاناً لتَّنازل عن المَبدأ لا يُمكن العثور عليه في قَواميسها، فسورية لم ولن تُفرط بالحقوق، وستُثبت للتاريخ أنّ من راهنَ على ضَعفها أو إضعافها كان واهماً مُستغرقاً في الهُراء.