الثورة أون لاين – راغب العطيه:
واضح أن الدبلوماسية والسياسة والعلاقات الطيبة مع الدول لم تعد تعني الولايات المتحدة الأميركية شيئاً، وذلك لأنها أصبحت تعتمد في سياساتها الخارجية على نمط جديد في العلاقات الدولية يقوم أساساً على إشعال الحروب وإثارة التوترات في كل مكان استطاعت الوصول إليه، مسخرة قدراتها العسكرية والاقتصادية لممارسة البلطجة والإرهاب الاقتصادي دون أي رادع قانوني أو أخلاقي.
فمنذ انهيار الاتحاد السوفييتي مطلع تسعينيات القرن الماضي وغياب توازن القوى في العلاقات الدولية، هيمنت الولايات المتحدة على المجتمع الدولي بشكل انتقامي بحسب توصيف بعض المراقبين، وبسبب هذه النزعة العدوانية راحت واشنطن تمارس دور الشرطي العالمي وتعبث بالعلاقات الدولية على هواها، من خلال سيطرتها بشكل شبه كلي على منظمة الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة، وخاصة مجلس الأمن الدولي الذي سخرته لخدمة سياساتها الإجرامية في مشارق الأرض ومغاربها.
ووسط هذا المناخ الدولي المستجد أخذت واشنطن تسرح وتمرح في كل مكان باسم الأمم المتحدة، مستخدمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) ذراعها العسكرية، لنشر الحرائق والفوضى والعنف في العديد من المناطق والدول تنفيذا لأجنداتها الاستعمارية، فأشعلت عشرات الحروب حول العالم أبرزها حرب الخليج الثانية عام 1991 ضد العراق وما رافقها من حصار شامل على هذا البلد فتك بالعراقيين وخاصة الأطفال منهم نتيجة لمنع الولايات المتحدة الغذاء والدواء عليهم باسم الأمم المتحدة، وحرب الصومال التي أكلت الأخضر واليابس ولم تنته بعد، وحرب أفغانستان التي مازالت مستمرة منذ عشرين عاما، وصولا إلى غزو العراق واحتلاله في عام 2003 بناء على كذبة سلاح الدمار الشامل، والتي ما زالت نتائجها الكارثية تتفاعل محلياً وإقليمياً ودولياً.
وفي العقد الأخير تجلى الاستثمار الأميركي بالإرهاب بأقبح أشكاله في سورية والعراق وليبيا واليمن، من خلال استخدام التنظيمات الإرهابية وخاصة “داعش والنصرة” وغيرهما كأدوات طيعة لتنفيذ مخططات واشنطن التدميرية في هذه الدول والمنطقة بشكل عام.
ومع انطلاق أحداث “الحريق العربي” الذي كتبته وأخرجته واشنطن في إطار مشروعها الإرهابي الكبير، والذي طال بنيرانه العديد من الدول العربية ومنها سورية، بدأت مرحلة جديدة في العلاقات الدولية محورها الأساسي محاربة الإرهاب، وقد تكشفت هذه المرحلة خلال السنوات العشر الماضية كنتيجة مباشرة لمحاربة سورية للإرهاب الداعشي والقاعدي وتحقيقها لانتصارات ونجاحات مهمة في كل الميادين بالتعاون مع روسيا وإيران ومحور المقاومة، ومازالت تتابع انجازاتها حتى استكمال تطهير كامل التراب السوري من رجس الإرهاب وكل أنواع الاحتلالات.
وهذا بطبيعة الحال يعكس الكذبة الأميركية في محاربة الإرهاب والتي أسست بموجبها واشنطن لتحالفها اللا شرعي كي تحمي به تنظيم داعش وكل التنظيمات الإرهابية الأخرى المنتشرة بين سورية والعراق، وبدلاً من أن يوجه تحالفها الخارج على القانون الدولي ضرباته لأوكار الإرهابيين كان يوجه ضرباته لمواقع الجيش العربي السوري وللجسور والبنى التحتية ولمنازل المدنيين الأبرياء في سورية، كما فعل في مدينة الرقة المنكوبة وفي ريفها وريف دير الزور والحسكة.
ومع ثبات صمود الشعب السوري وتعاظمه بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد في ظل استمرار الحرب الإرهابية على سورية بأشكالها العسكرية والاقتصادية والإعلامية منذ عام 2011 إلى يومنا هذا، برز دور بعض الدول الكبرى على الساحة الدولية وعلى رأسها روسيا الاتحادية والصين الشعبية اللتان استطاعتا خلال تلك الفترة أن تحيدا مجلس الأمن الدولي من أن يكون أداة بيد الأميركي لاستهداف سورية، الأمر الذي أغاظ واشنطن وأحيا في داخلها المخاوف من عودة روسيا بكل قوتها وهيبتها للواجهة لتكون لاعبا أساسيا في رسم مسقبل هذا العالم الذي سئم عهد الهيمنة والعربدة الأميركية.
وعليه فإن جميع المحاولات المستميتة للولايات المتحدة للإبقاء على هيمنتها وسيطرتها على المجتمع الدولي باءت بالفشل، ولم تفلح لا العقوبات الاقتصادية ولا توتير العلاقات الدبلوماسية وطرد الدبلوماسيين ولا حتى التلويح بالقوة من جانب واشنطن ضد موسكو أن تعيد الهيبة الأميركية المتآكلة بسبب سياسات البيت الأبيض العدوانية ضد الشعوب، فهل يقتنع الأميركي بموقع بلاده الجديد أم أنه سيهرب إلى الأمام بإشعال المزيد من الحروب والحرائق في العالم؟.
