الملحق الثقافي: وجيه حسن:
1- البصطار الخشِن
بالبصطار الثقيل الخشِن؛ رفسَهُ السجّان لسرقته نسخة نادرة لإحدى الروايات العظيمة، بعدما تعذّر عليه شراؤها، لفقرِه المُدقع.. سأله المحقق:
– «أتعرفُ ثمن هذه النّسخة التي سرقتَها»؟!
بعقلٍ متنوّرٍ أجاب:
– «لا يا سيّدي .. بلْ أعرفُ قيمتَها الأدبيّة والفلسفيّة معاً..»!
2- عدسةٌ سوداء
في «عناقيد الغضب»، بـ «قانا الحزينة»، قال أحد الحاضرين لمصوّرٍ حربيّ:
– «أرجوك اضبطِ العدسة جيّداً، لتأتي الصورة شاهدَ إثباتٍ على نازيّة العدوّ وهَمجيّته»! بوجعٍ عميقٍ ردّ المصوّر:
– «كيف تريدني أنْ أضبطَ العدسة، وعيناي مملوءتان دماً قانِياً مُوجِعاً»؟
3- صراخ الحقّ
لأنّه كان مناضلاً صلباً، سِيْقَ لحبلِ المشنقة.. قبل تنفيذ الحكم، سأله الصّهاينة الأوْغاد:
– «.. هل لديكَ ما تقوله قبلَ إعدامك»؟
ساخراً أجابَ:
– «يكفيني فخراً أنْ أموتَ، وقدَماي فوقَ رُؤوسِكُم»!
4- فاعلُ خيرٍ
استيقظ بائسٌ ذاتَ سراب.. شرَعَ يحلقُ ذقنه المُشوّشة كأفكاره؛ فجأة سمعت زوجته صوت حكّاً بالأرض، تلفّتت ناحية الصّوت، للتوّ وقع بصرُها على رسالةٍ أسفلَ الباب؛ فتحتْها.. نظرتْ خارجاً، لم تَرَ إنْسِيّاً، التقطت الرّسالة، كان اسم مُلقِيها: «فاعل خير»! سأل الزّوج: مِمّنْ؟.. بالحال ندّ عنه صوت: «آهٍ يا زمن»…
لم يُخرِجْ من المظروف رسالة، بل (ورقةً ماليّةً)، كانت ثمناً لليتراتٍ من المازوت، بهذا الفصل القارس من السنة!..
5- كلماتٌ تمشي على الرّيح!
في ذروةِ مرضه، قال لزوجته: «أنا ذاهبٌ للقراءة والكتابة، لا كما يذهب آخرون لحفلاتِ الرّقص، للمقهى، لطاولاتِ «النّرد»، وتعاطي «النّرْجِيلة»، إلى النّساء، إلى المطاعم، إلى الحانات، وصالات القِمَار، كما يذهب الأغْبياء إلى حتفِهِم تماماً».
بشفقةِ زوجة حانِية، أجابت: «أيُعقَل أنْ تُنازِلُ الموتَ بِقراءةِ كتابٍ؟ أمْ تحتمِي منْ غائلة المرض بقلمٍ سيّالٍ»؟..
6- نصَّابٌ!..
بكثرةٍ كاثرةٍ منْ سهراتهم، كان بعضهم يقول: «صديقنا «أمين»، في صوته عذوبة خاصّة، بعينيه براءة طفلٍ رضيع».. ردّ «سعيد» وكان قد لُدِغ منه مراتٍ عدّة:
«هذا الذي تمتدحونهُ، ليس حَمَلاً وديعاً، أو كائناً مسكيناً «يأكل القط عشاءَه»، إنّه باختصار… «.. للتوّ قاطعَه جارٌ قريب: «أضمّ صوتي لصوتك، أتذكُرُ يوم اقترضَ منّي ذلك المبلغ، على أمل أنْ يعيدَه بعد أسبوع؟.. مضى على هذا الوعد أزيدُ منْ عشرِ سنوات»..
مُحتدّاً قال «سعيد»: «إذاً يا جماعةَ الخير، أينَ براءة الأطفال بعينيْهِ، والصّدق بتعاملاته»؟..
7- زوج غافل
قريرَ العين كان ينام، هانئاً بزوجته وأولاده، على وجهها وبفضلها ازدادت أمواله، أضحى اسماً ورقماً ببلده، السيّارة الفخمة التي يمتطيها، ينظرُ إليها الآخرون بحسدٍ أزرق.. «لعبَ بذيلِهِ»، تزوّج سِرَّاً امرأة أخرى، بعد أقلّ من سنة، وصل الخبر زوجتَه الأولى، جُنَّ جنونها، بعين مُثعلبة قالت له: «سوّد اللهُ وجْهك، فَعلتَها يا نذل.. ألمْ تكنْ حياتنا سعيدة؟ وهؤلاء الأولاد ما ذنبهم»؟.
ببرودٍ قال: «عصبيّتك، لسانُك الأعْور، هما السّبب»!.
قالَتْ: … …
قالَ: … …
قالَتْ: … …
قالَ: … …
بنزقٍ وقهرٍ، ردّت: «أنا السّبب؟! أمْ إنّ الملايين التي أعمَتْ بصرك وبصيرتك هي السّبب؟ ومعها هذه العروس الطاعِنة؟ العروس التي هجرَتْ زوجها، لتخونَه معك أوّلاً، وتالياً لتفرض عليه هذه الزِّيجة المَنْكُودة؟ طلّقني.. قلتُ لكَ طلّقني» ..
فتحَتْ بابَ الدار، قاصدةً بيت أهلها، بانتظار حلٍّ يرضيها ويقلقُها، ويُكهربُ مستقبل الأولاد الأربعة معها!..
8- الأمانة
على الهاتف قال له، بعدما قرّر عدم العودة لبلد الاغتراب: «أشيائي وأغراضي أمانة بين يديك، بِعْهَا بثمنٍ معقول»!..
حين جاء صاحبه بإجازته الصيفيّة، وضع بيديه حفنة ضئيلة من الفلوس، قائلاً: «هو ذا ثمنُ أغراضك وأشيائك».. تابع: «لحظتها صمتُّ.. نظرتُ إلى الحفنة المُتواضِعَة.. لم أنبسْ ببنتِ شفة.. انكفأتُ على وجعي.. اهتزّت شجرةُ صداقتِنا، ولا تزال»!
9- «أمومة»!
بأمومةٍ تعرفها قلوب الأمّهات، ببطانيّة ذعرها وعاطفتها، غطّت أطفالها الخمسة، كانت «مريم» تراقبُ طائرات العدوّ، ترى بعينيها اللائِبتين «عناقيد الغضب»، وهي تحصدُ بطريقها كلّ شيء!..
حين سمعتْ انفجاراً مُدوّياً، طالَها بعضُ حجارته، نازفة زحفَتْ، لتطمئنّ على أولادِها، وهُم طيُّ خوفهم وترقّبهم وقلقهم..
التاريخ: الثلاثاء 17- 8- 2020
رقم العدد: 1059