الثورة أون لاين – فؤاد مسعد:
لن نتناول الجملة اللحنية وما يحدث فيها من تخريب، ولن نناقش الحد الأدنى من مقومات الصوت أو حالة التشويه المتعمد للذائقة، سنتجاوز ذلك كله من مبدأ (لا حول ولا قوة..) ولكن ما لا يمكن تجاوزه أو التغاضي عنه ما تحمله الكلمات من إسفاف وانتهاك للأعراف والأخلاق العامة وللحالة الإنسانية والوجدانية، والمتهم أغانٍ المُستهدف الأول والأخير منها جيل المراهقين والشباب.
فيما سبق كثيرة هي التحذيرات التي أطلقت حول ما أصاب الأغنية من انحدار وصل بها حد الهبوط والترنح، وانبرى العديد من الملحنين وكتاب الأغنية والمطريين والنقاد والباحثين في الموسيقا.. إلى التنبيه وقرع ناقوس الخطر ولكن بقي الكلام طي الغرف المفتوحة في الندوات والمؤتمرات والمحاضرات والتصريحات الإعلامية ولم يرقَ لفعل حقيقي، وبقيت الأمنيات جل ما تم التوصّل إليه، لأن ما ينادون به في واد والحال على أرض الواقع في وادٍ آخر، وإلا فما معنى أن تطالعنا أغنيات تحمل بوقاحة وفجاجة الكلام المسيء و(البذيء) والمؤذي، الذي يقتحم عقول الناشئة بأبشع الصور وأحط العبارات!؟. وإن استلينا من تلك الأغاني الهابطة نموذجاً واحداً وهو ما يُغنى للحشيش (على سبيل المثال) لوجدناه يرقى في أحد أوجهه إلى مستوى الترويج له بين أفراد شريحة عمرية محددة وهي شريحة الشباب من فتية ومراهقين، تلك الأغنيات التي باتت منتشرة كالنار في الهشيم، وتحقق حضوراً الخوف أن يكون مؤثراً، لا بل يمكن أن نجدها في الكثير من أجهزة (الموبايل) للجيل الشاب.
وكي لا يبقى الكلام منثوراً في الهواء نطرح أمثلة عن العبارات التي تحويها بعض تلك الأغنيات (لفّلي حشيش) (أشرب حشيش – لو يوم ما تكلمنيش).. هي أغانٍ تنطلق من فكرة فراق الحبيب والخذلان الذي يمكن أن يمر به أي شاب ونتيجة لذلك يُكون الحل اللجوء إلى الحشيش للهروب من الواقع !!.. وإضافة إلى هذا النموذج هناك أغانٍ أخرى تحمل عبارات خادشة للحياء وتحوي إيحاءات فجة ومُخجلة، والأدهى أنه يتم الترويج لعبارات بعينها تحمل ما تحمل من دلالات وتكون في مرمى الاجترار والتكرار لدى الجيل الشاب وبلبوس مغرٍ وتقدم بإيقاعات راقصة جاذبة.
ضمن هذا الإطار لا بد من التنويه إلى التعميم رقم /7/ الذي أصدرته نقابة الفنانين في سورية في شهر شباط الماضي ويصب في أحد أوجهه ضمن هذا الإطار، والذي نبه إلى قيام بعض العاملين في المرابع وبخاصة المغنيين باستخدام ألفاظ نابية ومسيئة للذوق العام أثناء أدائهم على المسارح وأكد على أهمية التقيد بالأصول المرعية وعدم استخدام هذه الألفاظ وفي حال تم ضبط أي واقعة ستقوم النقابة بمنع المسيء من مزاولة المهنة واتخاذ كافة الإجراءات القانونية بما فيها الملاحقة القضائية، وفي الإطار العام يمكن اعتبار هذا التعميم خطوة في الاتجاه الصحيح ولكن الأمر أخطر وأبعد من ذلك بكثير، والمطلوب اليوم تضافر جهود كل الجهات التي يمكن أن تكون معنية بالموضوع واتخاذ ما يلزم من إجراءات صارمة ورفض الإسفاف بوضوح وسن قوانين تفرض معايير الحد الأدنى التي لا يمكن التنازل عنها، وتفعيل دور الرقابة لفرملة كل ما يشوّه الذائقة العامة تحت أي مسمى أو حجة، وأياً كان مصدر هذه الأغنيات.
وفي النهاية لا بد من إثارة تساؤلات تحتاج إلى عمل جاد وإجابات واضحة: كيف يتم التعاطي مع من يجد في هذه الأغاني مطية ليصعد عبرها نحو الشهرة وجني الثروة؟ وهل يتم النظر إليها على أنها مسيئة وفقط أم أنها تبطن في داخلها خطراً لابد من درئه؟ وهل نترك شبابنا لقمة سائغة لمروجيها؟.. والسؤال الأهم بمرمى المعنيين: هذه الأغاني تغزو النشء فماذا أنتم فاعلون