شهدت فنون مابعد الحداثة دخول كل المعطيات العلمية الحديثة في الاختبارات التشكيلية المعاصرة، ولقد تم توظيف النظريات الفيزيائية والكيميائية المتفاعلة مع ألوان الطاقة، وتدرجات ألوان الذرات، والمجالات الفضائية الكونية، في العمل التشكيلي الحديث والمعاصر.
ولقد ارتكزت مدرسة واقعية الكم على النظريات الفيزيائية والكيميائية الحديثة، وقدمت لوحات مخبرية ومجهرية بامتياز، قائمة على تشكيلات لونية هندسية متقاطعة بزوايا قائمة، حتى باتت أزمة هذه التجارب، قادمة من محاولات تقديم العلم على الفن، فالمساحات اللونية في اللوحة هنا يجب أن تكون مقاسة بدقة متناهية وناتجة عن معادلات صارمة، إنه اختبار فني منفتح على الأزمة التعبيرية الحياتية لإنسان القرن الواحد والعشرين، وحداثته الفنية التجريدية المستقبلية القائمة على إيقاع الحركة المنبثقة من إدراكنا للزمن العلمي المعاش.
كأن اللوحة المخبرية والمجهرية باتت رمزاً للتطور العلمي والتكنولوجي، ومحاولة للتعبير عن جميع التحولات والحالات اللونية الممكن الوصول إليها عبر إشعاعات الخطوط والألوان.
واقعية الكم أو اللوحة المخبرية والمجهرية والفضائية لا ترسم الأشياء، وإنما ترسم الأطياف اللونية وتدرجاتها القزحية الناتجة عن الظواهر الفيزيائية والتفاعلات الكيميائية، فإذا أردنا أن نرسم الماء على سبيل المثال، علينا أن نحدد أطياف الانبعاث اللوني لذرتي هايدروجين وذرة أوكسجين معاً، وفق المعادلة H2O والخطوط البيضاء تستخدم لفصل تدرجات ألوان الذرات.. إننا هنا أمام فن جديد لعصر جديد، هو فن العصر التكنوـ نووي أو فن المستقبل، العمليات غير المرئية في الطبيعة، تصبح مرئية للإنسان، وبذلك ستولد بشرية جديدة يكون هذا الفن نقطة الانطلاق لها، والمدرسة اشتقت اسمها من (فيزياء الكم) وهي مدرسة موجهة لبشرية لم تولد بعد، ولهذا السبب، لم نجد حتى الآن واقعيين كميين على أرض الواقع، ربما لأن معظم العاملين في مجال إنتاج اللوحة وعرضها يتجهون نحو إنتاج اللوحة العفوية المبسطة، لأنها الأسهل والأسرع، على خلاف مدرسة واقعية الكم، التي تتطلب معرفة تامة بالنظريات الفيزيائية والكيميائية، ومزيداً من الصبر والجلد والدراية، في وضع مساحات وتدرجات اللون، وبطريقة علمية مدروسة ودقيقة، لا تترك مجالاً لأي أثرعفوي أو ارتجالي أو تأويلي.
رؤيةـ أديب مخزوم