الرئيس الأمريكي جو بايدن اعتبر أن قرار الانسحاب من أفغانستان “لا يتعلق فقط بهذه البلاد، بل يتعلق الأمر بإنهاء حقبة من العمليات العسكرية الكبرى” حسب قوله بتغريدة على “تويتر”، وقبل ذلك، كان تصريحه لافتا حول “ضرورة وضع حد للتدخلات الخارجية في شؤون الدول الأخرى بهدف فرض نموذج غربي من الديمقراطية عليها”، وشاركه في هذا الرأي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
سورية والعراق، ربما يكونان المقصودان بتلميحات بايدن حول نيته إنهاء” حقبة من العمليات العسكرية الكبرى” في المرحلة القادمة بعد أفغانستان، وهذا الاحتمال يفرضه واقع الهزيمة الذي يواجه المشروع الأميركي في سورية والمنطقة، فالخروج الأميركي المذل من أفغانستان جاء نتيجة تعاظم الخسائر الأميركية -البشرية والمادية- من دون تحقيق الأهداف الرئيسية من وراء غزو هذا البلد، ومن غير المستبعد أن يستبق بايدن حتمية تعرض قواته المحتلة في سورية والعراق للمزيد من الخسائر، بقرار انسحاب مفاجئ مشابه لقرار الانسحاب من أفغانستان، لاسيما وأن المقاومة الشعبية ضد المحتل الأميركي وأذرعه الإرهابية تتنامى وتتصاعد، وتحقق نتائج طيبة تعطي دافعاً قوياً للتمسك بهذا الخيار، من دون إغفال مسألة إصرار محور المقاومة على إخراج المحتل الأميركي وطرده من المنطقة، والإدارة الأميركية تدرك تماماً مدى جدية هذا المحور، وباتت تتحسب لعواقب الاستمرار بسياستها العدوانية تجاه دوله.
قد يرى الكثيرون أن الالتزام الأميركي الدائم بضمان ما يسمى أمن الكيان الصهيوني ربما يؤثر على الحسابات والتقديرات الأميركية لجهة عدم الانسحاب من سورية والعراق، ولكن الصحيح أيضاً أن الهزائم التي تتلقاها الولايات المتحدة في أكثر من مكان في العالم، تحتم عليها في هذه المرحلة تثبيط عجلة اندفاعها المفرط لجهة مواصلة تأجيج الحروب والأزمات لخدمة المشاريع الصهيونية، خوفاً من الغرق أكثر في مستنقعات حروبها العبثية، فهي باتت عاجزة عن مواجهة المتغيرات الدولية الحاصلة لغير مصلحتها، وربما تكون قد تعلمت من درس هزيمتها في أفغانستان، وكيف أضر بسمعتها وهيبتها، حتى أقرب حلفائها في أوروبا فقدوا الثقة بسياساتها، وبدؤوا يفكرون بالاعتماد على أنفسهم لحماية أمنهم بعيداً عن شروطها وإملاءاتها.
ربما تكون الهزائم الأميركية قد ولدت القناعة لدى بايدن بضرورة وضع حد للتدخلات الخارجية في شؤون الدول الأخرى، ولكن الأكثر أهمية هو أن يقتنع ساسة البيت الأبيض، ومعهم زعماء الدول الأوروبية بحقيقة أنه من المستحيل فرض أي شيء من الخارج على أي دولة كانت، ولهم في رفض الشعب السوري لمشاريعهم الاستعمارية، وتصديه لها عبرة في ذلك، فرغم سنوات الحرب الإرهابية المتواصلة التي تقودها الولايات المتحدة، وما رافقها من جرائم ومجازر وضغوط عسكرية وسياسية واقتصادية، إلا أن السوريين صمدوا، وانتصروا، وأثبتوا مجدداً لأميركا وأتباعها وأدواتها، بأن لا قوة في العالم تستطيع أن تصادر قرارهم.
نبض الحدث -بقلم آمين التحرير ناصر منذر