الثورة أون لاين – ترجمة ختام أحمد:
بعد سنوات من الجدل حول “نورد ستريم 2” يقترب المشروع من النور، حيث سيربط خط أنابيب الغاز الطبيعي ألمانيا مباشرة بروسيا عبر بحر البلطيق، وذلك في حالة عدم تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الخارجية (قرر الرئيس جو بايدن عدم فرض عقوبات لصالح استقرار العلاقات عبر الأطلسي)، ويوضح هذا التعاون المدى الذي وصلت إليه العلاقات الألمانية الروسية وبعض التحديات التي ستواجه أوروبا في المستقبل.
على مر السنين اتسمت العلاقة بين روسيا وألمانيا بالنارية بشكل خاص بالقرن العشرين حيث تسبب البلدان في حربين عالميتين واحتلال مؤلم لبعضهما البعض مع خلفية التهديدات النووية التي تحوم في الخلفية طوال النصف الثاني من القرن الماضي.
وفي العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، تم تطوير العلاقات بينهما حيث قامت ألمانيا بشراء واستهلاك موارد الطاقة بشكل متزايد، وخاصة الغاز الطبيعي الذي توفره روسيا، كما طورت دول أوروبية أخرى علاقات طاقة مماثلة مع روسيا.
وبدأت العلاقات بين روسيا وأوروبا في الستينيات مع تزايد الطلب على الغاز الطبيعي في أوروبا المستعادة حديثاً ورغبة متزايدة من الاتحاد السوفييتي لتصدير إمداداته من الطاقة.
وقد خلقت هذه الظروف مستوى عالياً من الاعتماد المتبادل والتعاون الاقتصادي الدولي من خلال الاستثمارات والعقود التي أثبتت مرونتها خلال فترات الصعود والهبوط الجيوسياسي للحرب الباردة.
وبعد كل الأمور انتهت الحرب الباردة في أوروبا دون انفجار حرب ساخنة كبرى، وقامت روسيا بعد الحرب الباردة بدمج صناعة الغاز في شركة غازبروم المملوكة للدولة الآن، والتي تمتلك عمليات نورد ستريم 2.
في السنوات الأخيرة أعربت الولايات المتحدة عن استيائها من خط أنابيب نورد ستريم 2، إلى جانب أصوات من بولندا وأوكرانيا، ويشير المعارضون ضد إنشاء وصلة الغاز الطبيعي بين ألمانيا وروسيا إلى الخطر الذي يمثله أمن الطاقة الأوروبي واستقلالها.
من منظور الأعمال التجارية، هناك ميزة تنافسية لمعارضة الولايات المتحدة لنورد ستريم 2، لأن الشركات الأمريكية المنتجة للغاز الطبيعي تضع أعينها أيضاً على سوق الطاقة الألمانية وقد استهدفت حكومة الولايات المتحدة نورد ستريم 2 من هذا المنطلق على وجه التحديد عرض توصيل الغاز الطبيعي المسال (LNG).
ومع ذلك، فإن الخيار الروسي أكثر فعالية من حيث التكلفة ومن المتوقع أن تخفض ألمانيا تكاليف العبور عبر أوروبا الشرقية، وقد أشارت العديد من دول أوروبا الشرقية إلى عدم امتثال المشروع للوائح الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك تتمتع ألمانيا بعلاقات في مجال الطاقة مع روسيا منذ عقود، ويهدف هذا المشروع إلى تحديث وزيادة كفاءة نقل المورد ببنية تحتية محدثة مع اتصال مادي مباشر بين البلدين.
ويتجاوز نورد ستريم 2 دول أوروبا الشرقية التي كانت بمثابة نقاط عبور للغاز الروسي إلى ألمانيا ودول وسط وغرب أوروبا الأخرى، وبالتالي، لديهم مصالح مشروعة في الحفاظ على مناصب سلطة نقل الطاقة.
على وجه الخصوص، تقف أوكرانيا موقفاً اقتصادياً متراجعاً من نورد ستريم 2، ما يقلل من إيراداتها كبلد عبور للغاز الروسي إلى أوروبا الوسطى وأيضاً موقفها السياسي حيث ترى أن استكمال نورد ستريم 2 خيانة من قبل الغرب لطموحاتها لعضوية الناتو، من هذا المنظور يبدو أن دراما خط الأنابيب تكشف عن تراجع استعداد الولايات المتحدة وأوروبا لتلبية الموقف السياسي المعقد لأوكرانيا تجاه روسيا.
لا يمكن للأهداف السياسية للولايات المتحدة وأوروبا الشرقية أن تشوه قيمة التعاون الألماني الروسي، أليست حالة المصالح المشتركة بين هذه الدول أكثر فائدة من الصراعات المريرة التي عاشوها في الماضي؟ هذا لا يقلل من مخاطر استمرار ألمانيا في الاعتماد على روسيا لما يقرب من 35٪ من وارداتها من الغاز الطبيعي.
هناك احتمال غير صفري أن تستخدم روسيا هذا الاعتماد كرافعة سياسية في مرحلة ما، لكن استهلاك الطاقة في ألمانيا، سواء المستوردة أو المنتجة محلياً، متنوع عبر عدد من المصادر المتجددة والتقليدية.
وإذا أوقفت روسيا الغاز حقاً، فيمكن للولايات المتحدة أن ترسل الغاز الطبيعي الأمريكي المنتج الذي كانت تدعو إليه في المقام الأول، بعد كل شيء لن تكون هذه هي المرة الأولى التي تسلم فيها الولايات المتحدة الإمدادات إلى السكان الألمان الذين يواجهون نقصاً تفرضه السياسة التي تقودها روسيا، نأمل أن يساعد الترابط المتزايد والمصالح المتداخلة في تشكيل مستقبل من الاستقرار في أوروبا ومواصلة الغياب الثمين لحرب كبرى أخرى في القارة.
بقلم: ويمين تشين
المصدر:
Antiwar
