الثورة أون لاين- بقلم مدير التحرير-معد عيسى
قبل أيام وافق رئيس مجلس الوزراء على منح مكافأة مالية عن كل كيلو قمح مُسلّم للدولة لتكون بذلك المكافأة الثانية وبنفس المبلغ مئة ليرة، وهذا يمكن قراءته على أنه اعتراف بتقصير المعنيين بتقدير كلفة إنتاج كيلو القمح بظل غياب الدعم على أرض الواقع، ووجوده بالتصريحات فقط، وأكبر مؤشر لوجود خلل كبير في معادلة التسعير هو كميات القمح المُسلّمة لمراكز الاستلام رغم أن المُتوقع إنتاجه من المساحات المروية المزروعة بالقمح أكبر بكثير مما تم تسليمه.
الأمر ليس مئة ليرة ولا مكافأة أولى أو ثانية، المشكلة قصور في تقدير التكاليف وقصور في إيصال الدعم، فلا يوجد فلاح حصل على حاجته من السماد ولا المحروقات وبقيت كل أشكال الدعم تدور في حلقات وتخضع للمتاجرة والابتزاز، ولن تنفع كل الإجراءات لتحفيز المزارع لتسليم إنتاجه طالما لا يوجد تعويض واقعي، بل على العكس من ذلك تحولت إجراءات الضغط لتسليم القمح إلى حالة سلبية نسفت أهم مبدأ في التجارة والمعروف بالمقايضة، فأهل الساحل مثلاً كانوا يتبادلون الزيت بالقمح مع أهل الجبل والمناطق الداخلية، وبهذه الحالة مزارع القمح يؤمن حاجته من الزيت والزيتون وأهل الساحل يؤمنون حاجتهم من القمح لصنع البرغل والكشك والكبة والطحين، ولكن ملاحقة الجهات المعنية هذا العام ومنع نقل أو بيع القمح إلا لمراكز الحبوب دفع الناس لتخزين القمح في المنازل لأكثر من سبب، فالكميات الصغيرة أقل من نصف طن يحتاج إيصالها لمراكز الاستلام مبالغ كبيرة، وثانياً لأن أهل الأرياف سيحتاجون هذه الكميات لطحنها وتصنيع الخبز بعد أن نسيت الجهات المعنية أنه في الأرياف لا يوجد خبز سياحي أو أي مصدر لتأمين الخبز، وثالثاً لأن تكلفة إنتاج القمح أعلى بكثير من الأسعار التي أعلنتها الجهات المعنية.
بعد أن فشلت الجهات المعنية في مقايضة أي سلعة متوافرة محلياً مع سلعة نحتاجها من الدول الصديقة أزعجها قيام المواطن بمقايضة إنتاجه بسلعة أخرى تنتجها منطقة ثانية، فالقمح ممنوع نقله إلا إلى مراكز الحبوب، والتبغ ممنوع نقله إلا إلى مراكز الريجة رغم أنها منتجات محلية ولا يصل منتجوها أي شي من الدعم لكونها حيازات صغيرة.
دفع الناس لتسليم الإنتاج له معادلة ولا يمكن أن يكون بالضغط، المعادلة تقضي بتقديم أسعار مجزية، وليست أقل من تكلفة الاستيراد، فالغريب أننا نستورد بسعر مرتفع، ونخصص القطع، وننكر على المزارع تغطية تكاليف الإنتاج مع هامش ربح، موسم زراعة القمح على الأبواب، وسعر القمح الحالي مع مكافأته الأولى والثانية لن يدفع الناس لزراعته ولا لتسليمه للدولة، فلن يزرع الفلاح ليخسر، ولن يُسلم مزارع إنتاجه حرمته الجهات المعنية من تأمين حاجته من الخبز.