الثورة أون لاين- مها الداهوك:
في خطوة من شأنها توسيع هوة التصدع بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين، جاء إعلان واشنطن تشكيل تحالف أمني استراتيجي مع بريطانيا وأستراليا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ تحت مزاعم مواجهة النفوذ الصيني، تحصل بموجبه أستراليا على غواصات تعمل بالطاقة النووية بمساعدة أميركية وبريطانية، لتقصي بذلك واشنطن ولندن الحليف الفرنسي عن صفقة بناء غواصات تقليدية لأستراليا، كانت قد أبرمتها عام 2016 وسميت وقتها “بصفقة القرن” بين الجانبين، حيث اعتبرت باريس أن ذلك يشكل ” طعنة في الظهر” من قبل أستراليا، وأنه يحتم ضرورة الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي أكثر من أي وقت مضى، في إشارة إلى فقدان الثقة الفرنسية بالجانب الأميركي، فيما اعتبرت الصين أن هذا التحالف يضر بنظام حظر الانتشار النووي.
الإعلان عن التحالف الأمني الثلاثي الجديد والذي أطلق عليه اسم “أوكوس” جاء خلال قمة افتراضية استضافها الرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض، وشارك فيها عبر الفيديو كلّ من رئيسي الوزراء البريطاني بوريس جونسون والأسترالي سكوت موريسون.
وفي ختام القمة صدر بيان مشترك تعهّدت لندن وواشنطن بشكل خاص بـ”مساعدة أستراليا في الحصول على غواصات تعمل بالدفع النووي”.
وجاء في البيان: “كأول مبادرة في إطار “أوكوس” نلتزم بطموح مشترك لدعم أستراليا في الحصول على غواصات تعمل بالطاقة النووية، واليوم نبدأ جهداً ثلاثياً لمدة18 شهراً للبحث عن المسار الأمثل لتقديم هذه القدرة”.
ومثّل هذا الإعلان نقطة تحوّل استراتيجي، لاسيّما وأنّها المرة الأولى التي ستشاطر فيها الولايات المتحدة مثل هذه التقنية الحسّاسة مع دولة أخرى غير بريطانيا.
وإثر صدور هذا الإعلان أعلنت أستراليا إلغاء الصفقة الضخمة التي أبرمتها في 2016 بقيمة 90 مليار دولار أسترالي (56 مليار يورو) لشراء 12 غواصة تقليدية من طراز “أتّاك”، مع مجموعة “نافال غروب” الفرنسية.
وقال رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون إن بلاده لن تمضي في صفقة الغواصات مع فرنسا، وبدلا من ذلك ستطلق شراكة أمنية وصفها بالتاريخية مع الولايات المتحدة وبريطانيا، مشيرا إلى أن بلاده ستحصل في إطار هذه الشراكة على غواصات تعمل بالطاقة النووية.
فرنسا سارعت للتنديد بهذا القرار، وقالت خارجيتها في بيان لها: “نأسف لهذا القرار المخالف لنصّ وروح التعاون الذي ساد بين فرنسا وأستراليا”.
وأضاف البيان: إنّ “الخيار الأميركي الذي يؤدّي إلى إقصاء حليف وشريك أوروبي مثل فرنسا من شراكة مزمنة مع أستراليا، في وقت نواجه فيه تحدّيات غير مسبوقة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ يشير إلى عدم ثبات لا يمكن لفرنسا إلا أن ترصده وتأسف له”.
واعتبرت الوزارة أنّ “القرار المؤسف الذي أعلنت عنه أستراليا للتو يؤكّد ضرورة إثارة مسألة الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي بصوت عالٍ وواضح”، مشيرة إلى أنه “ما من طريقة أخرى جديرة بالثقة للدفاع عن مصالحنا وقيمنا في العالم”.
أما وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لوددريان فقال لإذاعة “فرانس إنفو”: إن بايدن اتخذ قراراً مفاجئاً على طريقة ترامب، معتبراً أن فسخ أستراليا عقد شراء غواصات مع فرنسا “طعنة في الظهر”، ويشعر بالمرارة، وأضاف: “أقمنا علاقة مبنية على الثقة مع أستراليا، وهذه الثقة تعرضت للخيانة”.
بدورها، اعتبرت وزيرة الجيوش الفرنسية أن تراجع أستراليا عن عقد شراء غواصات من فرنسا أمراً “خطيراً”.
كما نددت الصين من جهتها بالعقد الذي وصفته بـ “غير المسؤول” بين الولايات المتحدة وأستراليا، بشأن غواصات ذات دفع نووي.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تجاو ليجيان إن “التعاون بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا في مجال الغواصات النووية يزعزع بشكل خطير السلام والاستقرار الإقليميين، ويكثّف سباق التسلح ويقوّض الجهود الدولية نحو عدم انتشار الأسلحة النووية”.
وبهدف امتصاص غضب فرنسا، زعم وزير الحرب البريطاني بن والاس بأن الشراكة الجديدة بين بلاده والولايات المتحدة وأستراليا، التي أدت إلى انهيار صفقة لبناء غواصات من قبل فرنسا للقوات الأسترالية ليست موجهة ضد باريس، وقال: “وفقا للعقد، تعهدت فرنسا بتوريد غواصات إلى أستراليا تعمل بالديزل والكهرباء، أعتقد أن الأستراليين اتخذوا قرارا لصالح الغواصات النووية. بالطبع، لكل دولة الحق في اتخاذ القرار الذي يناسب مصالح أمنها القومي، ليست لدينا أي نية للتصدي لفرنسا التي تمثل حليفنا العسكري الأقرب في أوروبا”.
يشار إلى أن فرنسا كانت قد أبرمت مع استراليا في شباط 2019 ما سمي “صفقة القرن” لبيع 12 غواصة حربية لأستراليا، وكان الاختيار قد وقع منذ العام 2016 على شركة “نافال غروب” لبناء هذه الغواصات الحربية التي تنتمي إلى الجيل الجديد، في ما اعتبر يومها فوزاً للمجموعة الفرنسية بهذه الصفقة بعد مفاوضات استمرّت سنوات.
