الملحق الثقافي:إلهام سلطان:
من الذي يتحكّم في مصائرنا، ويُحيلنا إلى رمادٍ، وربّما إلى باقاتِ عطر؟ !!
هل نمتلك أنفسنا، أم أن هناك خيوطاً كثيرة، تقودنا في هذه الدروب المعتّمة؟!.
من فينا الظالم ومن المظلوم؟.. وهل حياتنا مسيَّرة أم أنها مخيّرة؟.. أتُراه القدر يشكّلها على هيئةٍ مخفيّة بالنسبة لنا، أم أننا من يرسمها على الشكلِ الذي نختاره، فنقود بذلك خُطانا إلى النهاياتِ حيث حتفنا؟..
كلمةٌ واحدة، أو موقفٌ صغير حصل معنا في حياتنا، قد يغيّر كلّ شيءٍ، اتجاهاتنا وطموحاتنا ومستقبلنا.. ذلك أننا لم نعد ندري، أين نحن ولا إلى أين نمضي..
أتُرانا لعبة بيد القدر، أم هي مشيئةٍ الغموض الكونيّ، الذي ينتهي بنا دون أن ندرك مكمن الحقيقة وجوهرها؟!!.
هكذا تبدو الحياة، بل هكذا هي لدى الكاتبة «لوريس الفرح».. روايةٌ تروينا، وغموضٌ يهبُ الرواية فضاءها وأحداثها وحياتها وشخصياتها.
من هذه الشخصيات، تيم، ريم، رامي، لين، تالا، وهم أشخاص كلّ زمانٍ، ويتواجدون في كلّ مكان..
هي رواية رغم آلامها، إلا أنها مشوّقة، تأخذنا إلى عوالمِ النفس البشريّة، وما يعتريها من صراعاتٍ مع الذات، ومع المحيط.. صراعاتٌ بين الممكن واللاممكن، المعقول واللامعقول، الحقيقة والخيال، الحلم والواقع..
وتستمرُّ الصراعات، وقد نغادر هذه الحياة، ونحن أمام فيضٍ من الاسئلة والاستفسارات، التي لا نجد جواباً حقيقيّاً ومُقنعاً لها. مع ذلك، سنبقى ندور في دوامة المجهول، وضمن مساراتٍ مغلقة، بحثاً عن الحقيقة الكونيّة، وعن سرِّ الإنسان الذي «انطوى فيه العالم الأكبر»…
نعم، سنغادر هذه الحياة ونحن نلهثُ بحثاً عن ذواتنا، دون أن نجدها، يلفّنا الشعور، بأننا نتّصل بأسلاكٍ شفافة وشائكة، مع مساحات أخرى نجهلها.
ريحُ المرض، لم تجرِ بما اشتهت سفنُ «ريم وتيم»، بل اتّخذت أيامهما تقويماً جديداً، مغايراً لما سبق تماماً، ولم تكُ مشاعر «ريم» المتأجّجة حيال وضعها، تسكّن أوجاعها، بل زادتها جنوناً، فكيف لها أن تطيح بأجملِ وأعظمِ حلمٍ لـ «تيم»، لطالما انتظر بفارغ الصبر تحقيقه!!!.
حبلُ حلمها الآن يتأرجح على مشجبِ الأمل، علَّ يدّ إلهيّةٍ تتدخل لتضع سرّها في يدِ طبيبٍ آخر، يسدل الستار على كلّ ما عصفَ ببيدرِ روحيهما..
أبدعت الكاتبة «لوريس الفرح» في سرد الرواية، وفي الغوصِ بين أسطرها وخلف كلماتها، وفي حبكتها وشاعريّة مفرداتها.. وضعتنا أمام أسلوبٍ مشوّق، وأحداث تتوالى بسلاسةٍ.. أبدعت في اللغة، وأخذتنا إلى مشاهدٍ وصورٍ نابضة بالجمال، بالحقيقة، وبكلّ ما جعل شخصيات روايتها، جزء من حياتنا، تعيش معنا ونراها في كثيرٍ من الوجوه، الموجودة بيننا وحولنا.
«الحبّ الصادق الوفيّ، يغمر الرواية ويأخذنا إلى شغافِ القلب، ونبض الروح.. الحبّ الذي يمتلكنا، ويجعلنا نطير بجناحين من نورٍ، نحو مساراتٍ سماويّةٍ لا نعلم مداها».
«وجع الحبّ مؤلمٌ أيضاً.. مؤلمٌ جداً في ذاك الانقباض العنيف، الذي يسيطر على محيط قلبك، يمنعك من القدرة على التنفس، أو حتى على الوقوف مستقيماً.. يدفعك للانحناءِ حتى تهدهد الوجع قليلاً، علّه يهدأ»..
هل كان وجعها من قصة تيم، هو فاجعتها ؟..
النهاياتُ تقرّر، فالكاتبة تضعنا على مفترق طرق، وتقول انظروا وقرّروا، فأنتم المعنيّون..
تقع الرواية في ٢٤٠ صفحة من القطع المتوسط، وهي من إصدار «دار كنانة للطباعة والنشر».. وهي أولى الأعمال الروائية لـ «الفرح»..
التاريخ: الثلاثاء14-9-2021
رقم العدد :1064