الثورة أون لاين- سلوى إسماعيل الديب:
عندما ترهقنا ضغوط الحياة، نحتاج للهروب من الواقع، ربما للماضي البعيد، حيث قام الدكتور “باسم جبور” عبر محاضرة بعنوان “نصوص الحكمة في الشرق القديم”، في اتحاد الكتاب العرب فرع حمص، بعرض العديد من النصوص من عصور سابقة لنشعر بنشوة الفرح لجمالها، فنتعرف على آلية تفكيرهم في ذلك الزمن بحضور عدد من أعضاء الاتحاد ورواده، وهذا بعض منها:
بعد اختراع الكتابة في بلاد سومر بين النهرين الخالدين جنوب العراق عام 3200 ق.م، بدأ الإنسان الرافدي يجعل التدوين وسيلة لتلبية حاجاته الاقتصادية، وما لبثت الكتابة أن تطورت وتجاوزت الاقتصاد والأغراض المادية لتطرق أبواباً أخرى سياسية واجتماعية وفكرية ودينية ودنيوية، وانصرف الكتاب الأولون من الكهان الذين كان لهم الدور الأكبر في ابتداع الكتابة وتدوين التراث الشعبي المتناقل شفاها لسنوات طويلة خلت، وبدأت المدارس الرافدية السومرية، تأخذ دورها الرائد فكثر طلابها، وتعددت أساليبها، وتطورت مناهجها، مما أدى بشكل مباشر إلى نشوء الأدب الرافدي الذي بات سفرا للمشاعر الروحية وسجلاً للأفكار الفلسفية والقيم الإنسانية التي دونت معتقدات الإنسان ونظرته إلى الآلهة والكون وبطولاته وكل تفاصيل حياته ومجتمعه …
وأضاف جبور: لقد اعتنى المستشرقون والباحثون الغربيون كثيراً بأدب الحكمة الرافدية فنشر العالمان الأمريكي جوردن والدنماركي ألستر أربعة وعشرين مجلداً في نصوص الحكمة وظهرت عشرات الدراسات حول تلك النصوص.
عرف الادب الرافدي إلها خاصاً بالحكمة والمياه العذبة هو الإله إنكي السومري أي” إله الأرض”، والذي ورثه الأكاديون البابليون جنوباً والآشوريين شمالاً وسموه “إيا” أي بيت المياه ، ومعبده في مدينة إريدو القديمة المعروفة حالياً باسم “تل أبو شهرين” جنوب العراق.
إنكي من خلق الحكماء السبعة وكان أولهم الحكيم “أدابا” الذي أسند إلية مهمة الإشراف على معبده وهو أول من نطق الحكمة في تعاليمه إذ يقول في وصاياه إلى ملوك الأقاليم والتي تعود إلى القرن الثامن والعشرين ق.م :”أكرم أسلافك ، أكرم إلهك، دافع عن الضعفاء، أقم العدل…”
وأدابا هو الصياد الذي كسر ريح الجنوب عندما كادت تغرق مركبه حين كان يصطاد، فأراد كبير الآلهة معاقبته طالبا منه المثول أمامه ، عندها طلب إنكي من أدابا ألا يأكل أو يشرب في حضرة “أن” لئلا يخسر الخلود ، ولما مثل أدابا بين يدي “أن” دار بينهما حوار طويل ، فأبدى أن إعجابه بحكمة أدابا ، فأحبه وأراد أن يمنحه الخلود بطعام وشراب إلا أن الحكيم أدابا نزولا عند نصيحة إلهه رفض الطعام والشراب وخسر الخلود.
وأشار جبور لتشابه قصة أدابا إلى حدّ بعيد قصة آدم التوراتية فكلاهما خسر الخلود الأول لطاعة إلهه والثاني لعصيان أوامر لإلهه..
وتابع قائلاً: شهدت الأمثال الشعبية المتوارثة شفاهاً طريقها إلى التدوين المبكر ، فصنف السومريون مجموعات ضخمة من الأمثال الشائعة آنذاك ، كما أخذ الأكاديون البابليون والأشوريون قسماً من الأمثال السومرية القديمة ، وتابعوا روايتها بعد ترجمتها إلى لغتهم ومن أمثالهم الكثيرة:
– الحكيم من لا يفكر بالمال
– من يأكل كثيراً لا يستطيع النوم
وقد كانت بعض نصوص الحكمة تأتي على شكل مناظرات بين الحيوانات أو النباتات أو الجماد، فتدور بين طرفين يسعى كل منهما لإظهار حجته وتقديم برهانه ، وبيان فضله وتفوقه والحط من قيمة الآخر ، وأشهرها: الثور والحصان، الثعلب والذئب، العصفور والسمكة ..
أخيراً: تميزت المحاضرة بروح الفكاهة وقراءة العديد من الأمثلة الشائقة.