المناخ أصبح يفرض نفسه على العالم، وعلى اجتماعات الأمم سواء أكانت متحدة، أم غير متحدة.. وقمم، ومنتديات تُعقد، وتحذيرات تُطلق بأن الأرض أصبحت في حالة طوارئ نتيجة تغيّر المناخ، وإنقاذها أمر لم يعد يحتمل مزيداً من التأجيل ما دامت مظاهر ثورتها على ما اقترفه الإنسان بحقها باتت تتحدث عن نفسها بقوة من ارتفاع في درجات حرارتها التي وصلت إلى حد قياسي تعلن عنه حرائق غاباتها، ومن ارتفاع في منسوب سطح بحارها نتيجة ذوبان ثلوجها، هذا عدا عن الأعاصير المدارية التي تعصف في جنباتها، وانقراض لبعض أنواع حيواناتها، ونباتاتها، ما يشكل اضطراباً في التنوع البيولوجي.
أزمة مناخية تلفّ العالم من كلّ اتجاهاته، ولا تفرِّق بين مكان وآخر ما دام الغلاف الجوي يحتضن الأرض كلها، وما دام ما تتسبب به دول بعينها من تلوث ينعكس سلباً على باقي الدول، بل على بيئة الأرض كلها.. والدول الصناعية الكبرى تغدو في طريقها نحو مزيد من صناعاتها الثقيلة، والخفيفة على حد سواء، بينما الدول المستهلكة لتلك الصناعات تدفع الثمن مرتين، الأول في استيرادها لها بالقطع النادر، والثاني في انعكاسات التلوث الذي تتسبب به على البيئة عموماً كضريبة مضافة لمعاناتها.. وما بالنا إذا ما عرفنا أن منطقة الشرق الأوسط هي الأكثر عرضة للتغيّر المناخي، وارتفاع معدلات الحرارة خلال فصول السنة!
وها هي أجراس الخطر بدأت تُقرع عالياً في الدول الكبرى التي تطلق سموم صناعاتها في الأجواء، ما استدعى أن تجتمع لتنسق فيما بينها سياساتها الهادفة إلى إنقاذ الأرض، وبإجراءات حاسمة، وفورية تعمل على الخفض من الانبعاثات الحرارية، والحدّ من تلوث الهواء.
لكنّ هذه الخطط الطموحة للتعافي تستدعي تدخلاً فعّالاً من الذكاء الصناعي الذي تملكه تلك الدول الكبرى، والتي هي الأغنى، وقد دخل إلى شتى المجالات لديها، بينما ما زالت استخداماته خجولة في سواها من الدول النامية، فكيف إذاً ستقوم هذه الأخيرة إلى جانب الأخرى الفقيرة في تأمين أجهزة ذكية، وفي رصد أموال تساهم في خطة الإنقاذ العالمي بينما اقتصادها لا يسعفها في تأمين متطلبات شعوبها الأساسية؟.. والعلم هذا الذي تطور لدى الدول المتقدمة، وحقق قفزات واسعة نحو الرقمية، أليس هو الآخر مطالب أيضاً بأن يجد حلولاً اقتصادية إلى جانب الحلول البيئية لتتسارع الخطى المجدية في اتجاه حلّ أزمة مستعصية، وكارثة محققة يئن منها الكوكب تحت وطأة التغيّر المناخي الأخطر من نوعه؟
خطوات نحو الخلاص باتجاه بيئة نظيفة يتقاسمها البشر جميعاً تستدعي تعاوناً عالمياً، وأسرة دولية متضافرة الجهود تبني الثقة بين الشعوب، وحلولاً مستدامة، وقراراً واحداً صائباً لا يحتمل خطأً في التنفيذ، ولا إبطاءً في التحقيق، وتحولاً جذرياً في طرق إنتاج الطاقة لتحلّ محلها ما تعرف الآن باسم الطاقة النظيفة التي تعتمد على المصادر الطبيعية في توليد الطاقة كالرياح، والمواد النباتية، والمياه، وحركة الأمواج البحرية، والشمس، وغيرها، لتكون عاملاً حاسماً في التقليل من تلوث الهواء، والتغيّر المناخي، وفي استغناء تدريجي عن استخراج النفط، والغاز الطبيعي، وكل ما يعمل على زيادة الاحتباس الحراري.
كلّ هذا وأكثر سيكون من الإجراءات، والتشريعات التي تحترم البيئة، والقرارات التي ستتخذها الدول مجتمعة بهدف الإصلاح، والإنقاذ.. إلا أن المفاعلات الذرية ما زالت متقدة، وهي تلقي بمخلفاتها الخطرة.. والحروب ما تزال نيرانها مشتعلة، ولو تحت الرماد، لتنثر آثارها الملوثة في الأجواء.. ومصانع الأسلحة كذلك ما زالت منتعشة بإنتاج مزيد من الأسلحة المتطورة، والأكثر تطوراً، بالرغم من أن الحروب نفسها قد تطورت هي الأخرى، وأصبحت ذات أنماط، وأشكال حديثة، ومنها ما هو أكثر نظافة على مستوى التلوث المادي، ولو أنه أكثر تلوثاً على المستوى الأخلاقي عندما تختصرها الهجمات (السيبرانية) من دولة تعتدي على المرافق الحيوية لدولة أخرى لتصيب شبكة الماء، أو الكهرباء، أو غيرها من الشبكات.
وإذا كان أمر التخلص من الجائحة يتطلب مناعة جماعية للبشر فما بالنا بإنقاذ بيئة كوكب بكامله؟.. فهل من اتفاقيات مجدية لمستقبل مشترك، ومصير واحد، يخطّونها إلى جانب اتفاقيات الحدّ من التلوث البيئي تضع في الحسبان الحدّ من التلوث في النفوس حتى يتعايش البشر بسلام فوق كوكب واحد بعيداً عن الأطماع، والنزاعات، ونفث سموم الصراعات، ويتحقق من خلالها احترام البيئة، وأمنها، كما احترام حقوق الإنسان؟
سياسات يضعونها للمناخات.. ومناخات للسياسات في التقارب، والتفاهم، والمساواة بين الشعوب أصبحت لا تقلّ أهمية عن تنقية أجواء الأرض من التلوث متعدد المسارات الذي نال منها.
إضاءات -لينـــــــا كيــــــــــــــــلاني