الثورة أون لاين – هنادة الحصري:
هل انتهينا نحن البشر ، انتهينا عندما بدأنا نخصع العلاقات الإنسانية لمفهوم المقايضة و انتهى بذلك الشعور السامي بالألفة و الدفء الإنساني؟
يقول هلغيتوس: ( يولد الناس مزودين بالقابليات و المواهب ، والتربية وحدها تحدث الفروق … )
ثمة ظاهرة باتت منتشرة بين الأطفال إنها ظاهرة الاكتئاب المبكر … يقول طبيب نفسي : لقد بلغ رقم المراجعين من أجل الأطفال عددا كبيرا . و هذه ظاهرة غير صحية ، و كان التشخيص هو حالة من الشرود و الحزن و الاكتئاب نتيجة فقدان المحبة و بالتالي فقدان الأمل .
أطفالنا هم وجه الحياة النظيف ، فكيف تتردى صحتهم النفسية التي نعول عليها مستقبلا لإنتاج أفراد يدركون قدراتهم و أهميتها في التعامل مع الواقع بمشكلاته ، و يتصرفون بطريقة مسؤولة ؟
و لعل الغرابة تكمن في وجود هذه المشكلة ، و نحن في عصر الغزو التكنولوجي و الثقافة الاستهلاكية و القنوات الفضائية التي لم تترك منتجا لم تسوق له . و الأطفال هم المستهلك الأول دون أن تكون لهم أهداف واضحة واقعية ، قابلة للتحقيق ، تجعلهم يعتادون مفهوم الفاعلية في المجتمع تحت مبدأ المشاركة و الحس الجماعي .
لم يعد مفهوم تشكيل الأسرة بسيطا ؟ فالأطفال اليوم بحاجة إلى وعي و فهم لنفسياتهم التي تصطرع في هذا المجتمع الاستهلاكي الذي تنظمه علاقات مادية بحتة ، و بحاجة إلى جو عائلي دافئ غير مشحون بخلافات مركبة ، لينعموا بالطمأنينة و الاستقرار و الاتزان العاطفي و الإشباع النفسي و الهدوء الاجتماعي .. إن مبدأ الثواب و العقاب أثبت إفراز علاقات إنسانية قائمة على مبدأ المقايضة ، فعندما تقول الأم لولدها : ( إذا قمت بكذا ستحصل على ما تريد ، وإذا قمت بما أقول لك سأحبك ) فإن الطفل سينشأ و قد اعتاد مبدأ هات و خذ ، إضافة إلى خوف الطفل من فقدان الأمان إذا عارض أوامر الأهل . فبهذا يحاول الطفل أن يفرغ نفسه من رغباته ، و يملأها برغبات الاّخرين ، و هنا يصاب بالكبت .
يقول الفيلسوف باسكال : ( عندما يحبني أحد لما لدي من صفات ، أو لما أتمتع به من مزايا ، فبمعنى هذا أنه يحب صفاتي ، أو يقدر ما لدي من مزايا ، و لكنه لا يحبني لنفسي فالحب الذي يساوم لا يخرج عن كونه صورة من صور الكذب ) .
لقد أثبتت النظريات الحديثة أن مبدأ الحب اللامشروط هو الذي يجب أن يطبق في التعامل مع الأطفال … فعلى الأم أن تقول لولدها : أنا أحبك كثيرا مهما فعلت ، و لكني ( سأزعل ) إن قمت بهذا العمل ، بهذا سينشأ حوار بين الطفل و أمه يناسب عمر الطفل و بالتالي سيشعر الطفل بأنه لن يفقد محبة والديه ، و هم وراء إحساسه بالأمان ، فيحاول أن يبتعد عن كل عمل يعتقد أنه سيؤذي من يحبهم و يحبونه و بهذا سيمارس حريته ، و تغدو ثقته بنفسه عالية تجعله مستقلا قوي الشخصية و الإرادة و مستقلا في تفكيره ، و حرا في اختياره ، و ممتلكا للتفكير الإيجابي.
و يؤكد المختصون ضرورة إخضاع الشاب و الفتاة لدورات مختصة ، هدفها توعيتهما لمتطلبات حياتهما المقبلة ، و خصوصا كيفية رعاية أطفالهما ، فالتغيرات التي حصلت في مجتمعاتنا لم تكن بسيطة ، ولهذا فقدت الأسرة جزءا من سيطرتها على أبنائها ، و بدأت مؤسسات و فضائيات تزاحم الأسرة في التنشئة و التكوين .
و هذه وصايا جميلة أرسلها ولد إلى أمه ..
أرجوك يا أمي لا تفسديني بالدلال و لا ترهقي أعصابي بالإهمال ، كوني حازمة حتى أشعر بالأمان ، لا تتركيني أقوم بأمور سيئة فأعتاد عليها فالمرء هو نتاج عاداته ، لا تهينيني أمام الغرباء فالنصيحة في السر أفضل ، لا تجعليني أشعر أن أخطائي لا تغتفر ، لأن ذلك يضيق علي وسع الحياة ، لا تكثري لومي لأنني حينئذ سأصم أذني ، حاوريني إذا استفسرت ، و أجيبيني إذا سألت حتى نتصادق دوما ، لا تقولي أنك لا تخطيئين ، لأنك إذا فعلت فقدت الثقة بك . اقبلي اعتذاري إذا تأسفت، و اغفري لي حتى أتعلم فضيلة التسامح.
و لكل أطفال العالم كمشة ياسمين معطرة بصباح أخضر.