الثورة أون لاين – علم عبد اللطيف:
القصيدة الكلاسيكية تقوم أدواتها وعناصرها بتقديم كاتبها مختبئا خلفها..القافية والوزن والمحسنات البديعية تحجب الكاتب..وتكون القصيدة هي صورته. بل ومحتواه فتفكر عنه مطلقا وتبدو مكتسية واضحة.
في حين أن قصيدة الحداثة أو اللوحة الحداثية عندما يجردها الكاتب من أدوات طاغية كانت في النص الكلاسيكي..فإنها تصبح عارية. وتختبئ وراء كاتبها الذي يقوم بالتفكير عنها وتفكر عبره. وتبدو محتجبة به مرجعا ودلالة ولغةً.
وتصبح اللغة هي سجن العقل. بما هي بيان وغاية.
(فريدريك جيمسون).. أول من تكلم عن سجن اللغة ١٩٧٢. منطلقا من نقد الكانطية المثالية التي تقول إن المعرفة هي سجن العقل. ووفق كانط نكون حبيسي عقولنا وحواسنا. وعاجزين عن إدراك ما يقع خارج حدود العقل. لكن نقاد الكانطية قالوا بعكس كانط إن العقل هو سجن المعرفة. المعرفة موجودة أصلا داخل العقل وليس خارجه. وبهذا يمكن الوصول إلى الحقائق بسهولة لأنها موجودة داخل عقولنا. لم تتكون قبلها ولن يكون لها وجود بعدها. وكان من الطبيعي أن تنسحب صورة السجن من العقل لتلتحق باللغة مع التحول الجديد والكبير في المناهج اللغوية والألسنية. وبموحبها صار التفكير أداة من أدوات العقل.
في هذا السياق. نقتبس مقطعا صغيرا للكاتب العراقي جودت هوشيار.
(كتب الطبيب والعالم النفساني الكساندر لازورسكي أنه زار تولستوي ذات مرة ، وجرى الحديث خلال الزيارة عن دوستويفسكي وقال تولستوي عندما تقرأ لدوستويفسكي عليك الغوص عميقا في كتاباته، ونسيان عيوب الشكل الفني لديه، من أجل العثور على الجمال الحقيقي تحته .
ويقول بيوتر سيرغيينكو – كاتب سيرة تولستوي – في مذكراته، إن تولستوي ينظر إلى دوستويفسكي على أنه مفكر، ويكن له احتراما عظيما. وكان يعتبر “الجريمة والعقاب” عملا أدبيا مذهلا، حتى إن عدة صفحات من هذه الرواية، التي لم يعن مؤلفها بشكلها الفني كثيرا تعادل عنده العديد من مجلدات أعمال الكتاب المعاصرين الآخرين. في حين إن دوستويفسكي كان يقدر تولستوي كفنان أكثر من كونه مفكرا.)
هذا يقود للقول..إن الشكل الفني الذي تنهض به اللغة في النص الأدبي البيان يجعل من اللغة بديلا عن الكاتب في التفكير..تفكر اللغة عبره..
بقي بيكاسو يفهم الجورنايكا تباعاً طيلة حياته من مشاهديها..
كذلك بالقطع كان يفعل دافنشي من قراءات مشاهدي الجيوكندا..وأكاد أزعم أن شكسبير حتى الآن يستمع إلى آراء الآخرين بمسرحية هاملت.
