الثورة أون لاين – هناء الدويري:
المكتبات الخاصة ذكريات وشجون ومتعة في الاقتناء وألم عند تشتتها وضياعها… ومستقبل لا يعلمه إلا المستقبل في مصيرها… والمريمان بقيت تقيس طولهما باصطفاف الكتب منذ أن بدأتا بالمشي. وكثيرا ماحدّثنا الزميل والكاتب ديب علي حسن عنهما. وعن حبّهما للكتب. وانتظار جدّهما لإلقاء نظرة على ما يحمل بين يديه من كتب. وفي البداية كانت الألوان والصور مايجذبهما،واليوم استحقتا لقب القارئتين الصغيرتين عن جدارة، تلك مقدمة للمريمين لنعرف كيف أخذت المكتبة الخاصة للأستاذ ديب شكلها ومصيرها ومحتوياتها مع كلّ من الكاتبين الأستاذين حسن م يوسف وقحطان بيرقدار…
الكاتب والإعلامي ديب علي حسن يقول :
مكتبتي فيها مايقارب الثمانمئة وسبعة ألف كتاب، وكتب عليها إهداءات من مكتبة الرصيف، إضافة لأربعمئة كتاب إهداءات ومعاجم مختلفة، والكتب من كل الأنواع والأشكال و الثقافات، وتتركز العناوين بسبب اهتماماتي على الدراسات الفكرية ولاسيما كتب مركز الوحدة العربية وسلسلة عالم المعرفة الكونية.،وإصدارات دار التكوين والهيئة العامة السورية للكتاب، ومؤلفات متنوعة، وترجمة، وشعر، إضافة إلى الدوريات (العربي، عالم الفكر، الموقف الأدبي، المعرفة، مجلة مجمع اللغة العربية)
استغرق اقتناء هذه الكتب عمرا، فقد بدأت باقتناء الكتب منذ السابعة عشر من العمر وإلى اليوم لم أتوقف عن هذا الشغف المحفور في وجداني نحو الكتاب وعشق الورق وعبق رائحة العلوم والفنون والآداب وثقافة الشعوب في ذلك الورق.
وليس أكثر حبّا من أننا جعنا من أجل الكتب، ومراحل اقتناء الكتاب أختزلها في ثلاث :
الأولى شراء وقت الضيق (عندما كنت طالبا)
والثانية شراء وقت الراحة (عندما أصبحت أمتلك راتبا)
والثالثة إهداءات من بعض دور النشر وشراء أثناء معارض الكتاب والحسومات.
شغف القراءة عند الزميل ديب حسن ينقله بالعدوى لكلّ من حوله ومكتبته متاحة لكلّ الزملاء، وأنا لا أنتهي من كتاب حتى يكون الكتاب الآخر منتظرا..
أما مصير مكتبة الكاتب ديب حسن فهي لزوجته وأحفاده (المريمين) إضافة لتبرّعه ببعضها لمكتبة القرية.
الكاتب والإعلامي حسن م يوسف يقول :
مكتبتي الخاصة جزء أساسي من عقلي و من روحي،لكن مفهوم المكتبة الخاصة تغير مع كل ما تغير في حياتنا خلال القرن الماضي، فمكتبتي لم تعد تقتصر على الكتب الورقية، فمنذ بدأت أستخدم الحاسوب منذ أكثر من ثلاثين عاما،بدأت حينها أنشئ مكتبة الكترونية، ولأقرأ كل ماجمعته فيها أحتاج أكثر من مئتي عام ،وميزة المكتبة الالكترونية أن البحث فيها أسهل وأسرع، وليست مرتبطة بمكان لأنني أستطيع حملها معي إلى أي مكان،وهذا لايعني أنني لاأمتلك مكتبة ورقية ضخمة متنوعة فيها الكثير من الكتب موزعة على ثلاثة غرف في دمشق، وفي بيتي في القرية، استغرقت في تجميع هذه الكتب عمرا مديدا منذ أن بدأت أقرأ وتحوي كل مايمس المواضيع التي تهمني من كتب أدبية وعلمية، فأنا في داخلي شخص يهتم بالعلم كثيرا إضافة للأدب… ولو شئت أن أتحدث عن أهم العناوين التي تحويها مكتبتي لاحتجت وقتا طويلا، ولكن يمكن أن أتحدث عن أهم العناوين النادرة الموجودة في مكتبتي مثل الطبعة الأولى من كتاب) هؤلاء الصهيونيون ) الذي أصدره شفيق كعدان ورفيق شالاتي وهما صحفيان ذهبا إلى فلسطين في أربعينات القرن الماضي وكتبا كتابا أعتقد أنه كان بمثابة إنذار للأمة العربية كي تلتفت للخطر الذي كان يتشكل في فلسطين وقد أنهيا كتابهما بإنذار حقيقي قالا فيه للأمة العربية أنه إذا لم تلتفتوا لمساعدة أخوتكم العرب في فلسطين فإن الخطر سوف ينتقل من فلسطين إلى جوارها ،والأمم وتحيط بكم وتأكل رحمكم لأن هذا العالم لايعرف شيئا سوى إبداء القوة والغلبة…
مكتبتي أيضا عابرة للغة فيها كتب باللغة الإنجليزية وكتب هامة لاتقتصر على الأدب الإنجليزي بل فيها مراجع أدبية من شرق آسيا ومن روسيا ومن أوروبا الغربية،وأميركا الجنوبية وأمريكا اللاتينية…
مصير مكتبتي في المستقبل هذا أمر يعرفه المستقبل بحد ذاته ،فأنا لن أترك المكتبة فقط سأترك هذا العالم كله،وهذا العالم لم يبدأ بي كي ينتهي معي …ولدي يهتم بالتكنولوجيا وبالتقنية لذلك أعتقد أن الكتب الورقية سيكون مصيرها محاط بإشارة استفهام…!!
نصيحة للمتلقي في عالم القراءة والكتابة… أنا لا أحب توجيه النصائح لأنه وبكل بساطة النصيحة بضاعة مذمومة فمن هو بحاجة إليها لايسمعها، ومن يسمعها ليس بحاجة إليها، لذلك أترك الأمر لغيري…
أنا أختار كتب مكتبتي حسب الموضوعات وحسب العناوين، ووفق حاجتي لأنني ككاتب سيناريو أحتاج غير الكتب العلمية والأدبية أحتاج كتب المراجع التاريخية التي يمكنني أن أستفيد منها في عملي خاصة وأنني كتبت أعمالا تاريخية في بداية عملي ككاتب سيناريو، وبعض العناوين لم أوفق في مضمونها، فالكثير منها لم أقرأه لأن العنوان كان بمثابة سنارة للجذب.
لاقتناء الكتاب دون جدوى …
أطرف ما في مكتبتي أن الكتب وبخاصة المجموعات باتت ممزقة ومهترئة ، فتجد الأجزاء منقوصة نتيجة الاستعارة وعدم الإعادة، وهذا أمر مؤسف لأن من يستعيرون الكتب غالبا لايعيدونها…
الكاتب والإعلامي قحطان بيرقدار يقول:
بدأت بتجميع مكتبتي الخاصة واقتناء الكتب من المرحلة الثانوية، وكنت أستعير من مكتبة والدي وأشتري مما أوفره من مصروف المدرسة ،وكتب المنهاج الدراسي كنت أعدها جزءا من هذه المكتبة ،وبدأت تكبر مكتبتي رويدا رويدا
وبكون اهتماماتي أدبية وشعرية وفنية كانت مكتبتي تضم كتبا أدبية كدواوين الشعر العربي حديثها وقديمها، وروايات عربية وعالمية، وقصصا وكتبا نقدية وكتب المسرح (سلسلة المسرح العالمي ) التي كانت تصدر في الكويت ، كتبا معرفية عموما، ودواين ومؤلفات متنوعة لأصدقاء في عالم الكتابة، واقتناءات لعناوين متنوعة من معارض الكتاب لوزارة الثقافة باعتبارها تقدم حسومات كبيرة فكنت أحرص على حضور المعارض واقتناء الكتب ،حتى وصلت مكتبتي لحدود غرفة كاملة بجدرانها الأربعة حتى عام ٢٠١١،لكن الحرب الإرهابية الظالمة على سورية جعلتني أخرج من بيتي مع من خرج من العائلات من بطش الإرهابيين في منطقة سكني في ريف دمشق وأترك ورائي كل شيء بما فيهم مكتبتي التي لم أستطع أن أخرج منها سوى بعض الكتب كالمعاجم التي أحتاجها في عملي كوني أعمل في التدقيق اللغوي أيضا، وبعض كتب النحو والصرف، وبعد تحرير المنطقة من رجس الإرهاب لم أجد إلا آثارا تدل على وجود تلك المكتبة بكل أسف، هذا شكّل لدي ردة فعل واتجهت نحو المكتبة الالكترونية، والقراءة الالكترونية، فأصبح لدي مكتبة الكترونية كبيرة جدا ربما تعادل أضعاف مكتبتي الورقية، وأصبح لدي مكتبة ورقية صغيرة في مقرّ عملي في مقر مجلة أسامة وفي مديرية منشورات الطفل وسأعود لبناء مكتبتي الخاصة من جديد، رغم أنني أقرأ الكترونيا أكثر، وبدأت ألحظ ظاهرة انتشرت حديثا أن بعض من لديهم مكتبات خاصة في بيوتهم بدأوا يهدونها للمكتبات العامة وإلى من يهمه الأمر في اقتناء الكتب، وعموما الكتاب الورقي لم يعد كسابق عهده شئنا أم أبينا، رغم أن القراءة عبر الكتاب الورقي أكثر أصالة وأكثر حميمية، لكن الزمن ومتغيرات الحياة جعلت من القراءة الالكترونية تأخذ مساحتها وحتى مثلا من يعمل على أطروحات الماجستير والدكتوراه يعتمدون على الكتب الالكترونية حيث لم تعد هنالك المشقة الكبيرة في البحث في المراجع، كل شئ أصبح متوفرا الكترونيا، وبرأيي هذا جيد ولست ضدّ الكتب الالكترونية ، وأنا مع وجود مكتبة في كل منزل ولاسيما للأطفال، فعندما يتفتح وعيهم أن يجدوا مكتبة حولهم في البيت حتى لو كانت صغيرة، هذا سينمي لديهم حب القراءة والمطالعة، وأن تكون القراءة عادة يومية في كل بيت ،لأن حب القراءة يبدأ زرعه في قلوب الأطفال والناشئة من البيت.