الثورة أون لاين – دينا الحمد:
على خلفية مطالبة موسكو بتوحيد الجهود الدولية لبناء عالم متعدد الأقطاب يسوده الأمن والسلام، فإن السؤال الذي يلقي بسهم بوصلته على هذه الدعوة هو: من الذي يضع العصي في عجلاتها كلما طرحها هذا الطرف الدولي أو ذاك؟ ومصلحة من وضع الحواجز الاصطناعية بين الدول والشعوب، وليس بناؤها؟.
الإجابة عن هذا السؤال المهم لا تحتاج إلى كثير عناء لفك رموزها، فالولايات المتحدة الأميركية تعلنها بالفم الملآن بأنها القطب الأوحد الذي يسيطر على العالم، ولا تريد منافسين آخرين لسياساتها، ولا تريد العودة إلى طبيعة الأشياء، أي إلى نظام دولي متوازن تحكمه قواعد العالم متعدد الأقطاب، بل عالم بقطب واحد وقرن واحد هو قرن الثور الأميركي الذي يسرح ويمرح دون أي اعتراض، ويغزو الدول وينهب ثروات الشعوب دون رقيب أو حسيب، ويرتكب الجرائم الموصوفة ضد الإنسانية دون أن يحاسبه أحد على ما اقترفت قياداته وشركاته وجيشه.
ولكن رغم هذه الرؤية الأميركية أحادية الجانب فإن دول العالم ترنو إلى تغيير طبيعة النظام الدولي السائد حالياً مؤكدة أن واشنطن وحكومتها العميقة وشركاتها الاحتكارية لم تدرك بعد حقيقة المتغيرات التي تعصف بالعالم اليوم، فأميركا لا تأخذ بحسبانها التطورات والتغيرات الحاصلة في العالم في وقتنا الراهن، ولا تريد أن ترى أهم ملامحها وصراعاتها الحالية المتجلية بالتنافس الصيني الأميركي، والتباين الأوروبي الأميركي، والصراع الروسي الأميركي، والعولمة والأزمات الاقتصادية العالمية، وظهور الأسلحة الذكية والحروب غير التقليدية كالسيبرانية، وسباق التسلح النووي، كما أنها لا تريد أن ترى الصراع على الطاقة والحروب لاحتلال الجغرافيا التي تضم خطوط إمدادها، بل كل ما تراه عيون واشنطن مصالحها الجشعة.
من هنا فإن القوى الدولية الصاعدة، وتلك التي كانت تشكل ثقلاً كبيراً كروسيا والصين، ترى أن العالم يتجه إلى تعدد القطبية بناء على كل هذه المتغيرات التي تعتبر متغيرات عميقة وتتوالد بسرعة وتشهد معها المعمورة بروز ملامح تشكل نظاماً دولياً جديداً يخلف النظام الحالي.
كما أن هذه القوى تنطلق من قاعدة ثابتة أخرى وهي أنه آن أوان طي صفحة التسلط والإرهاب الذي تقوم به أميركا، فبعد كل إرهاب الدولة الذي تمارسه الولايات المتحدة الأميركية بحق الشعوب، وكل التدخلات السافرة بالشؤون الداخلية للدول والحكومات، وبعد كل الدمار والخراب الذي تسببه إدارتها العدوانية للعالم، فإنه حان الوقت لوضع حد لكل ذلك الخراب والتدمير، وحان الوقت لوقوف دول العالم الصاعدة بقيادة روسيا والصين بوجه الانتهاكات الأميركية المستمرة للقانون الدولي وحان الوقت لإعادة المشهد الأممي الذي تتصدره منظمة الأمم المتحدة اليوم إلى الأبجديات التي أنشأت هذه المنظمة من أجلها وإعادتها إلى السكة الطبيعية التي يفترض أن تكون عليها، أي تحقيق الأمن والسلم الدوليين بدل تحقيق أجندات أميركا وسياساتها الاستعمارية!.