الملحق الثقافي:موسى حوامدة *
في دَورانِ الموتى
في احتفالاتِ البُكاءِ بأشدِّ الألم
في خياناتِ النّفسِ للنّفس
وجَلدِ الذّاتِ للذّات
في تَراتيلها عن خَيباتها
تتولَّدُ اللغةُ من دمٍ بكرٍ وأصابعَ خَرْساء
ودَمي أخرسُ بكرٌ حين يتلوَّن مثل وجهكِ
البعيد.. البعيد
وقربكِ الأكثر من ورم
في لسانِ الكلماتْ..
لمن هذه الأجراسُ إن كانت لي حكمتها؟.
لمن هي الكلماتُ إن رفَّتْ لِحاظُها فوق جفنيَّ؟..
وتأوّه الوحيدُ بمفرده
والغريبُ نأى بكلّهِ المُدنَّس
بشهوةِ الغدر
والمتأنّق تجلَّى بزهوِ الورقِ الأصفر.
سيكونُ عندي ما يكون
وتجفُّ العناقيد
وحبّات المعنى الطّازجة
تلوحُ في بالِ الصبايا
تلوكُ نعالَ المعجزة
أحدّقُ في نقصي
وأراهُ جديراً بالتّمام
أحدّقُ في تمامي
وأراهُ وافراً عما سواه
أحدّق في ذاتك المتشظّية
وأراك أكثر مني قبوراً وطلاسمَ
أكثر منّي موتاً وذكرياتٍ ذابلةً..
أحدّقُ في ذاتي ولا أرى نفسي سجينةَ رعونةِ المطر
واحمرار الوقت عند نباتِ الوداعِ الشّهي..
يستريحُ القيثارُ والزمّار يغنّي
من ليديَّ سوى أصابعكِ لتعبّر عن سرِّ المعاني؟!..
من ليديَّ سواكِ لأحشر البحر في ثقبِ إبرتك
وأقسم النتائج لغيرِ الورَثة؟!..
ومن للموتِ غيركِ يُشهّدهُ عليّ
ويُشهِّدني عليه؟..
ليموت وأحيا في موتكِ الحيّ..
أحدِّقُ في الموسيقي والعازفين
وأنتِ لا يربككِ الحنين
ولا يسري في دمكِ الحبّ القديم
ولا تحرق أصابعك شهوةُ الحياة
التي لم تنطفئ في وهجِ الكمان الأخير..
ومن ليديَّ لتزرعا بستاني بميّتٍ جديد؟..
إن لم تعزِّني الكلمات وتتأبّط ذراعي الفاجعة
من لفمي إن لم تمنحيني قبلة الموتِ الأخيرة؟..
ومن لبدني لينتفض على البرودةِ دون نارك؟..
زاهٍ بلا نياشين أو رُتب
موشكٌ على النفادِ من نفسي
موقنٌ بالفرقِ بين الزمانِ واللازمان
بين الوراءِ واللاوراء
بين الفناء والفناء..
من يحطُّ يدهُ على غصنِ حنيني
يجدُ يديَّ قابضتينِ على زهرةٍ ناشفة
حملتُها من كتابٍ قديم
وسعفة نخيٍل في طريقِ الآلام الجديدة..
يا لحصّتي في الجَلجلة وأعياد الشعانين
يا لحصّتي في دمِ المسيحِ النازف
وخشب صليبهِ الطّري
يا لحصّتي في لمعانِ البراق السّماوي
وهو يَطوفُ سماوات القصيدة
ناثراً دمهُ بين الأنبياء
وطعامهُ على جَوعى الدّيانات
يا لحصّتي فيكِ وأنت تشردُين
في الضبابِ الهاربِ من قبضةِ النفور.
يا ربيعيَّةَ الضحكات
خريفيةَ الجنونِ والخيال
أيتها العاشقة المتقلّبة الدمِ والهواء
حلمُكِ سحابٌ يقطعُ رأسَ البخار
على ساحلِ الغربة
وبيتكِ ضيّقٌ لا فراغَ فيه ولا رذاذ..
طيرانٌ فوق صفحةِ السّماء
وهبوطُ فاجعةٍ من خلفِ التلكّؤ
يسري في دمِ الهواء
يرشًّ الكونَ باللعنات
ويَقدحُ ذمّة الكحول
والخريفيّة تتهجّى لغة الردفينِ الآرامية
بعينينِ ناعستين على «باب الهوى»
من قطعةِ أرضٍ سّماوية انزلقتْ على الأرض
* كاتب وشاعر فلسطيني
التاريخ: الثلاثاء5-10-2021
رقم العدد :1066