الثورة أن لاين- حمص – رفاه الدروبي:
حملت المجموعة الشعرية العاشرة الجديدة للشاعر والكاتب محمود نقشو عنوان “خيول فوق بنفسجية” مستخدما فيها مفردات الشفافية والإنسانية والحس المرهف المتغلغل في دواخلنا لنذوب رقة وعذوبة وقد تناول بين دفتيها 134 صفحة من القطع المتوسط صدرت حديثاً عن اتّحاد الكتاب العرب في دمشق.
تضمنت المجموعة 23 قصيدةً أهمها “خيول فوق بنفسجية”، إلى جانب عناوين أخرى قاع الكوكب، وحواف حادّة، وخطّ استواء، ورتوش أخير على مُسوَّدةِ البقاء، وبيانو منفرد، وفضّة سائلة، ومعالم اليوم التالي، والإطار، ومن أوجاع المجرّة، وثقوب سوداء، وكلام من وراء غيمة، وما رآه العابر، وجرى في حانة قديمة، وإعادة كتابة نصّ قديم، وقطعٌ ناقص، وفي مدار الشّعر، وحكايا الضوء الخافت، وأبيض مجروح، وعلى الطاولة المجاورة، وكلام السكون، وتشكيل مائيّ، وعبور أبيض.
الشاعر نقشو قال: إنَّ جديد مجموعته ليس دأباً على التكثيف اللغوي، وجدّة المعالجة، والصورة المغايرة في رسمها ودلالاتها بل إضافة لما كان يسير عليه في كتاباته الأخرى في درب الكتابة الجديدة ، لافتاً إلى ما يعرف بالثقافة الثالثة في عالم واقعنا الحالي حيث تكتب العصر الراهن وكيفة مقاومة الشعر القبيح والرديء اليوم فتصعب المعركة معه بسبب صعوبة الكثير من محيطنا، وعدم فهمه. لتراكم الأسوأ فيه بوتيرة عالية، مقابل الأجود والأهمّ والعالي. فالشعر البسيط الساذج كثير وينتشر في كلّ مكان إنّه كتابة قليلة القيمة في الشعر والنثر، ما يدعو بطريقة أو بأخرى إلى الانزياح الخطير عن الحقّ والخير والجمال.
ورأى الأديب محمود أنَّ المدّ الخطير يمكن أن يقاوم عبر وسائل الإعلام والمنابر الثقافية بالترويج وتقديم الأهمّ، لا بالمتاح. لكن الأهم أن يبقى خالداً في بنك التحف والمعلّقات وسائر الفنون. وللمؤسسات الثقافية الدور الكبير في حسن الانتقاء، والنشر ، والتكريم واعتبرها مهمة ليست عاديّة بل مسؤولية كبرى؛ لمواجهة القبيح بالجميل .
كما تابع متسائلاً عن موقع قصيدة النثر من كل مايطرح ؟. فقال: إنها أكثر وضوحاً في تسلل الخراب إليها، والافتقار الشديد لمبدعيها على كثرة مدّعيها ، واستسهال كتابتها، والولوج إليها دون قدرات تذكر، سوى الرغبة في الكتابة. والأسوأ منها القصيدة التقليديّة الفقيرة الشعر، والعديمة الأناقة. لكن ما يثلج الصدر أنّه في كلّ زمان ومكان يوجد مبدعون حقيقيّون، وبهم تسير عربة الشعر، بل والفنّ والحياة كما ينبغي .
فيما لفت أنّ مجموعته “خيول فوق بنفسجيّة” تلقى الضوء على ألم وأمل إنسان مازال يعيش مأساة بلده ، وأمامه العالم القاسي الملامح؛ والوقح، والمنافق، والكاذب تعبث به. ترصد المجموعة دواخل إنسان المأساة السوريّة، ونتفاً من تفاصيل مؤلمة لا يتّسع الشعر لاستيعابها، بل يتّسع لآمال تأتي بطيئة، وغائمة، وما تبقّى له من إنسانيّته المعذّبة في العالم الراهن، وأردف حول تفكيره بكتابة قصيدة النثر بأنها قد تصل الأشكال الشعريّة حدّ الامتلاء، ولا تغدو الكتابة فيها تأتي بجديد. حينها يفد التقاعد ، أو التحوّل ، ليبقى الكائن على قيد الشعر .
مبيّناً أنَّ لدى بعض الشعراء السوريين الأحياء القدرة على الإقناع والإدهاش؟. وخصّ بالذكر الحمامصة فلهم نصيب كبير، ولباقي الأعلام السوريين الجميلين ، حيث ازدادوا عمقاً وجمالاً بمرور الوقت أيضاً. ويوجد بينهم من يدهشونه بخروجهم عن اللغة الجليلة الأمّ إلى لغة العصر الأصعب لكنهم قليلون على أيّ حال .
حيث قال في قصيدة “غداً بعد أن تنتهي الحرب” من مجموعته الجديدة:
غداً بعد أن تنتهي الحربُ ، تأوي الظّلال إلى بيتها
في جرود المساءِ ، ويخلد للنومِ فينا الرّعاةُ
غداً يستريح المكان من الموتِ ، والكائناتُ
ويطوي السكون الحدودَ ، فيدخل ظلّ على ظلّه
في مسار الوجومِ ، وتُومض ذات
غداً بعد أن تنتهي الحرب يسأل مَن ظلّ حيّاً عن الله فيهِ ، وأين الحُواةُ الجُناةُ
ويسأل عمّا تبقّى من النهر والثرثراتِ،
وعمّن ترجّل قبل المغيبِ، وماتَ، وفيه من العيش ذاك التفاتُ
ويسأل عمّن تولّوا، وكانوا لعينيه كحل الشبابِ، وقبلَ التفتّح ماتوا
سيجلس هذا وحيداً ، ويُغمض جفن البقاء على ما رآهُ ، وما لم يقله الرّواةُ
وفي غفلة السّرد يرمي المكان بدمع المراراتِ ، حتّى ينوء بأحزانه السنديانُ
ويُسند روحاً إلى روحه في سياق الكلامِ ، فيلهو مع الوقت فيه المكانُ
فيمسك عكّازه باقتدار نبيٍّ ، ويمضي بكسرة ذكرى ، وجرعة صبح على وقعها المستثير تدبّ القناةُ
تقول : تصبّر ، ففيك يصير البقاء ظلالاً تهابُ ، ويمضي إلى المستقرّ الشّتاتُ
تصبّر ، ففي العابر المرّ يلمح صوتٌ ، تسيل على صخره الذكرياتُ
وفيه من الغيّ بعض نشيدٍ ، وفيه من الطّهر فينا صلاةُ
غداً بعد أن تنتهي الحرب عاجل بأخذ المراكب نحو الصّخور ؛ فبعد الخريف تدور الجهاتُ
غداً يا صديقي تفيض الحياةُ.
احتوت المجموعة الجديدة للشاعر والكاتب محمود في ثناياها إيقاعاً موسيقياً عميق الإيحاء بدا واضحاً من خلال الجمل الفعلية والعامرة بالمشاعر الوجدانية ذات الرؤية الإنسانية الإبداعية اعتمدت الصورة تطريزاً أساساً لبناء القصيدة.