رغم التسليم بحقيقة أن المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة يتهدده شبح التفكك والانقسام بعد التراجع الملحوظ لنفوذه على الساحة العالمية، إلا أن ذلك لا ينفي حقيقة ازدياد الاضطرابات الأمنية والسياسية، وخطر تنامي انتشار الإرهاب الذي ترافقه محاولات حثيثة من قبل الدول الداعمة له لاستخدام القوة بهدف تمرير أجنداتها الاستعمارية على حساب أمن واستقرار الشعوب الأخرى، إلى جانب مواصلة تلك الدول استهدافها لميثاق الأمم المتحدة ومحاولة استبداله بقانون شريعة الغاب.
الانحسار التدريجي للدور الأميركي والأوروبي، والانقسامات التي تعمقت أكثر داخل دول التحالف الغربي بعد الهزيمة المذلة لأميركا في أفغانستان، لا يعني تخفيف حدة المخاطر التي تولدها السياسات الهدامة لتلك الدول، فهي تسعى لتعزيز استراتيجيتها القائمة على الاستعانة بوكلاء خارجيين ينفذون أجنداتها الاستعمارية في الدول المستهدفة، وهذا ما نلاحظه في سورية من خلال تجنيد النظام التركي والكيان الصهيوني إلى جانب التنظيمات الإرهابية لتنفيذ المخطط المرسوم لسورية ودول المنطقة، والأمر نفسه ينطبق على توظيف هذه القوى والكيانات الإرهابية ذاتها لمواجهة النفوذ المتصاعد لروسيا والصين وإيران، والترتيبات التي تعمل الولايات المتحدة على إرسائها في أفغانستان لجعلها محمية دائمة للإرهاب تحت إشراف وكلائها الخارجيين، مثال على ذلك.
الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، على رأس الدول الغربية التي تهدد بسياساتها المتغطرسة أمن الشعوب واستقرارها، فتلك الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وبدل أن تعمل على حفظ السلم والأمن الدوليين وفق ما تمليه مبادئ الأمم المتحدة، وميثاقها وقراراتها الشرعية، تعمد للقفز فوق تلك القوانين، لمحاولة إرساء نظام دولي بديل قائم على التسييس وازدواجية المعايير، وهذا واضح من خلال هيمنة تلك الدول على قرارات الهيئات والمنظمات الدولية، وتحويل تلك المنظمات إلى منصات عدوان تستهدف بها الدول الرافضة لنهجها الاستعماري، وسورية من أكثر الدول التي ما زالت تعاني من سياسة المعايير المزدوجة التي تمارسها الدول الغربية من على منابر الهيئات الدولية المرتهنة للقرار الغربي، و”حظر الكيميائية” ومجلس حقوق الإنسان، مثال صارخ.
سياسة الحصار وفرض العقوبات الجائرة، هي من أعلى درجات الإرهاب الاقتصادي الذي تمارسه الدول الغربية بهدف تحقيق أهداف سياسية عجزت عن تحقيقها عبر دعم الإرهاب والعدوان المباشر، لأنها تستهدف الشعوب الأخرى في لقمة عيشها بقصد تجويعها، وعديدة هي الدول المستهدفة بتلك العقوبات، وفي مقدمتها سورية وإيران وروسيا وفنزويلا وكوبا وكوريا الديمقراطية ونيكاراغوا، وغيرها الكثير، وهذه الممارسات اللاأخلاقية واللاشرعية تزيد من حدة التوتر على مسار العلاقات الدولية، وقد تصل إلى حالة التصادم المباشر بين الدول الغربية اللاهثة وراء تثبيت هيمنتها، والدول الساعية لترسيخ قواعد نظام عالمي متعدد الأقطاب، يقوم على العدل والاحترام والمساواة، وعدم التدخل في شؤون الآخرين، الأمر الذي بات يحتم ضرورة توحيد الجهود الدولية لكبح جماح الغرب الاستعماري، والعمل على إعادة التوازن إلى العلاقات الدولية لتحقيق الأمن والاستقرار في العالم.
نبض الحدث بقلم أمين التحرير ناصر منذر