الملحق الثقافي: هفاف ميهوب:
الحرائقُ العديدة التي اشتعلت في وطننا، لم تحرق قلوبنا وأرواحنا وأحلامنا فقط، بل والمدى الأخضر الذي هو رئةُ الحياة، الممتدّة من جذورِ أرضنا، وصولاً إلى الأشجار التي هي الهواء لأنفاسنا..
هذه الحرائق، جعلتنا نكرهُ كلّ الفصول التي داهمتنا بأكثرِ من لهيب.. كلّ الفصول التي توالى فيها الحقد والغدر والموت، الذي تفنّن في ابتداعه، الشقيق قبل العدوّ – الغريب..
جعلتنا نكره كلّ الفصول ونتوق لفصلِ المطر، حيث العطاء الذي يغمرُ الأرض بما تغمرنا به، من الخيرِ الدفقِ ومفردات العشق، والعبقُ الذي عتّقته في تربتها المقدّسة والحارسة، لأرواحِ ودماء «أكرم من في الدنيا، وأنبل بني البشر»ّ…
نعم نتوق لهذا الفصل، وننتظره كي يهزم يباب الفصول، وكي يغسل عنّا وعن محيطنا ووطنّنا، سوادَ الأفكار المحترقة والملتصقة، بالمتعفّن من العقول.. ننتظرهُ يندّي أرواحنا، فيخفّف بعض الاحتراقاتِ التي أوجعتنا، ورمّدت الكثير من أفراحنا.. يحنّ فيهمسُ فينا بكلِّ حنين، بصوتٍ عذبٍ يُخمد نار السوريين.. يجنّ فيراقصنا أمواتٌ أحياء، فتتسارع فينا قطراته، بعد خمولٍ استتبَ فلبّى، غضبنا على زمنٍ أحرقَ حتى ذاكرة العقلاء..
ينهمر فيوقظ الغفلة، ولا يغفو لأنه حارسٌ سماويّ، ولهذه الأرض التي يتغلغل في ذاكرتها، وينبش منها مفردات يرشقنا بها كي نصحو، فنصحو ونغسل صباحاتنا، بقصيدتها التي ترشرش عطره المخبوء، في قولِ «نزار قباني»ّ:
«أنا لا أسكنُ في أيّ مكانٍ/ إنّ عنواني هو اللامنتظر ..
مُبحراً.. نحو فضاءٍ آخرٍ/ نافضاً عنّي غُباري..
ناسياً إسْمي/ وأسماءَ النباتاتِ/ وتاريخَ الشّجر..
هارباً من هذه الشّمسِ التي تجلِدُني/ بكرابيجِ الضّجر ..
هارباً من مدنٍ نامتْ قُروناً/ تحتَ أقدامِ القَمر ..
تاركاً خلفي عيوناً من زجاجٍ/ وسماءٍ من حَجرْ ..
لا تقولي: عُدْ إلى الشّمس فإنّي/ أنتمي الآن إلى حزبِ المطر…»..
mayhoubh@gmail.com
التاريخ: الثلاثاء19-10-2021
رقم العدد :1068