الثورة أون لاين – فاتن أحمد دعبول:
لم يكن محمد عدنان سالم يهدف من تأسيس دار الفكر في العام 1957 إلى تحقيق صفقة تجارية رابحة يكون مادتها الكتاب، ولم يرغب أن يكون مجرد بائع كتب غير عابىء بالمضمون، بل كان يخطط لرسالة يقوم بأعبائها بمسؤولية ومهنية عالية، مسؤولية الكلمة التي تبني الإنسان وتنشىء الحضارة وتواجه العدو الذي يستهدف لغتنا وهويتنا وثقافتنا في غير شكل من أشكاله الاستعمارية.
واليوم وفي المهرجان الثقافي السابع يقطف ثمار ما واظب على غرسه عقودا طويلة، في حفل دار الفكر السنوي لتكريم الفائزين في مسابقة دار الفكر للقراءة والإبداع 2021 في دار الأسد للثقافة والفنون” دار الأوبرا” بالتعاون مع وزارة التربية، وقد تجاوز عدد المشاركين في المسابقة الخمسة آلاف متسابق من الفئات العمرية التي تبدأ من الصف الثالث الابتدائي وحتى الصف الثالث الثانوي في فروع خمسة من فنون اللغة” القراءة، اللغة الفصحى، المناظرات الشعرية، تأليف القصة، والخط العربي”.
نثمن الجهود عاليا
وفي كلمته بين د. دارم الطباع وزير التربية أهمية الدور الذي تقوم به دار الفكر في استقطاب الأطفال واليافعين للنهل من معين لغتنا، شعرا وفصاحة وتأليفا، لإنشاء جيل مؤمن بلغته ومتجذر في وطنه.
وأضاف: أن المخزون الأكبر من الثقافة يتحصل عليه الإنسان في مرحلة الطفولة عبر الدوريات ومكتبات المدارس ورعاية أصحاب المؤسسات الثقافية ومنها دور النشر، وخير من مثل هذا الدور” دار الفكر” عبر تشجيعها للنشء في ارتياد مناهل الثقافة والفكر والإبداع عبر مسيرة حافلة من العطاء.
وأوضح أنه في زمن شح القراءة وعزوف أبناء اللغة العربية في أغلبهم عن القراءة، نثمن عاليا ما تقوم به دار الفكر من أنشطة وفعاليات لإحياء القراءة، ونتمنى أن تحذو دور النشر الأخرى حذوها ليكون الكتاب صديقا حميميا لجيل المستقبل، ونحقق عملا لا قولا وحسب ” جيل يقرأ .. جيل يبني”.
القراءة أولا
وتمثلا لمقولة والده عدنان سالم” القراءة أولا، القراءة أولا” بين حسن سالم أن دار الفكر تسعى دائما لنشر الثقافة عبر فتح منافذ القراءة عبر المشاركات والمسابقات الدورية، واستقطاب الفئات العمرية جميعها، وهذه المسابقة التي امتدت على مساحة المحافظات السورية كافة، هي واحدة من الفعاليات التي وجدت أصداء كبيرة وإقبالا منقطع النظير، ما يؤكد أن الأبناء عندما تتوفر لهم سبل الرعاية، لاشك هم يقبلون على التعلم ويحبون لغتهم، بل ويباهون بها، وأبناؤنا جواهر قيمة علينا رعايتها لتثمر أبدا وعلما وفكرا ناضجا.
صديق دار الفكر
ويقف بسام مطعّم عند شروط المسابقة وقوانينها، ليبين أن المسابقة متاحة للجميع ليس فقط ضمن جغرافية القطر العربي السوري، بل على مساحة الوطن العربي، وقد شهدت المسابقة في غير موسم لها مشاركات عربية عبر الأثير، ساعد في ذلك تطور وسائل التواصل الاجتماعي.
ويخضع المتسابق عبر لجان متخصصة لمعايير يصل من خلالها إلى الفوز عندما يتجاوز مراحل التصفيات كافة، وأهم هذه المعايير سلامة اللغة والسرعة في تقديم الشاهد، وأيضا نسبة الأخطاء التي يجب ألا تتجاوز الثلاثة أخطاء.
وعن الامتيازات التي تمنح للفائز فأهمها أنه يمنح شهادة تقدير، ويصبح صديقا لدار الفكر يستفيد من الحسومات، ويخصص له يوم للقراءة المجانية وكوبون استعارة لمدة عام، هذا إلى جانب المكافأة المالية الرمزية.
أما طموحات دار الفكر، فهي تسعى أن تكون مسابقاتها على مستوى العالم، وهي رسالة أننا أبناء حضارة وثقافة عريقة عمرها آلاف السنين، ولاتزال تنشر عبقها بين أرجاء المعمورة كافة.
معايير جادة
ومن لجان تحكيم الشعر، بين إبراهيم عبد الله أن الإقبال كان كبيرا على المسابقة، لذلك كانت المعايير قاسية لاختيار الأكثر مهارة في تقديم الشعر دون أخطاء وبسرعة قياسية، وكانت الغاية الأساس إغناء الطفل بحصيلة لغوية كبيرة تكون زاده في مراحل دراسته، وتمكنه من لغته، وبث روح المنافسة بين المتسابقين.
أما مستوى المتسابقين فكان لافتا جدا وخصوصا في استحضار البيت بدقة وسرعة ودون أخطاء، إيمانا من الدار بأن اللغة تمثل شخصية الأمة وهويتها، وعلى أبنائها أن يكونوا أوفياء لها.
مكرمون
وعلى عادتها تختار دار الفكر في كل عام شخصية مؤثرة لتكريمها تكون أنموذجا يحتذى في الفكر والإبداع، وكانت شخصيتا هذا العام د. نزار أباظة الذي يفخر بأنه واحد من عائلة دار الفكر منذ 25 عاما، ويقول:
دار الفكر من الدور العريقة التي تعمل على نشر الثقافة والانفتاح على الآخر، وقد واظبت على نشاطاتها ولم تتوقف رغم التحديات الكثيرة التي واجهتها، إيمانا منها بأن الثقافة هي السلاح الأمضى في مواجهة غزو العولمة وتشويه الحقائق.
أما ميساء السقا التي تشغل رئيس مجلس إدارة جمعية الوئام السورية للنساء الكفيفات فتقول: شرف كبير أن أكرم من قبل الدار، وقد سعيت دائما إلى تقديم نماذج ناجحة من أمثالي الكفيفات، لأن نجاحهن هو نجاحي، وكانت مهمتي هي التدريس في معهد التربية الخاصة لتأهيل وتعليم المكفوفين وفي معهد الفرقان للعلوم الشرعية، أدرس اللغة العربية، وكنت أدقق وأنضدد الكتب لمادة اللغة العربية، ولي محاولات في التأليف والكتابة.
الفائزون .. غنى وثقة بالنفس
لايمكن إلا أن نرفع القبة تقديرا وتثمينا للجهود الكبيرة التي أثمرت إبداعا وثقافة وتمسكا باللغة العربية، وهذا ما اتضح على ألسنة الأطفال الفائزين الذين أكدوا أهمية هذه المسابقة وانعكاسها على تحصيلهم الدراسي، فمنهم من ألف القصص من وحي واقعه، فكانت قصة روني” نبيل والنجمة الحكيمة” التي تحض على القيم والأخلاق والتعامل مع الآخر، بينما حكت قصة جورج يازجي عن الأثر السلبي للهواتف الذكية عندما تشغلنا عن الدراسة، أما قصة أمير الشحاف فهي دعوة للآباء للاهتمام بأبنائهم وعدم الانشغال عنهم في زحمة العمل ومتطلبات الحياة.
ويبين بعض الفائزين في مجال اللغة الفصحى” سيدرا خادم السروجي وندى عز الدين ومحمد خير المصري أن لغتنا هي أم اللغات تعبر عن انتمائنا وهويتنا وشخصيتنا، لغة جميلة ومعبرة وغنية، وقادرة على التوظيف في المعاني كافة.