ثورة اون لاين – رياض طبرة:
كانت الدالية على موعد لم تتبين ملامحه , لا تدري إن كانت على موعد مع الفرح الذي طال انتظاره , أم مع الحزن المقيم في جنباتها منذ اندلعت هذه الحرب الظلوم , لكن قلبها قلب أمّ رؤوم يستشعر خطراً من بعيد كلما حاق بأحد أبنائها شراً , وكان حسن على موعد مع أشجارها الوارفة , وحفيف أوراق الخريف هناك في بيت أبنائها الراقدين على رجاء القيامة .
في كل عام يدونّ حسن بآلة تصويره وحسه النبيل ما يستجد من قبور هناك …
يتلو الفاتحة على آخر قبر شيدته الأيادي الماهرة , يتفقد الجهات كلها , يكرر على مسامع الراقدين نشيد الحياة وتحية لحماة الديار , لعل الرحمات لا تنقطع .
هذا العام كان مساء الدالية ملبداً بالغيوم والهموم… لا تدري ماذا يحمل الصباح لها أو ما يخبئه الليل , ليل الحقد والكراهية , ليل القلوب التي لم تعد قلوباً .
حمل البارع حسن عدسته وجال في الجهات كلها , لم يتبين أي القبور أكثر اشتياقاً لدموع الأحبة , وأيّها ما زالت دماء الأمهات ندية تبلل حوافيه وجنباته…
صار يحسب الرماد وعبق البخور ووريقات الآس رجالاً ينادون عليه , يستجدون عدسته , يسارع إلى تلبية النداء , لكن الجمر يأخذ مكانه في أحشاء حسن , كلما دوّن تفصيلاً من تفاصيل ذلك المكان الرهيب .
استشعر خطراً , أقفل عدسته على صمتها وحزنها وعاد.
-2-
في صباح اليوم التالي من أيام خريف الدالية هبّ حسن باكراً كعادته , أخذ يتصفح ما استجد من وريقات زرقاء على فضاء من أمل كما كان يدعو صفحات التواصل الاجتماعي دائماً .
كانت الصفعة قاسية أكثر من كل الصفعات , تفجير إرهابي يستهدف حافلة للمتعبين من كدهم وعرق جبينهم …
ما هي حصة الدالية من الضحايا ؟
ليس من عادتها أن تنجو من مثل هكذا تفجيرات , لها حصتها دائماُ , يتلفت من حوله , وكأنه ما زال وعدسته هناك في المقبرة , يستذكر بسيل من المرارة كم شهيداً قدمت الدالية … يصمت قليلاً لا وقت لغير الدموع .
يتابع الأخبار , يلتقط ما يقدر عليه من مواقع مختلفة , لكن صوتاً اخترق كيانه , شق قلبه , تراخت مفاصله , هوى قبل أن تتلقاه أرض أو تحمله قدماه إلى بيت شقيقته حيث انبعث الصوت مجدداً وتعالى.
موسى وماهر عريسان للمقابر, يصرخ حسن يتزاحم الهديل في مقبرة الدالية , تصمت العصافير , تنوح الأمهات , تصرخ الصبايا , ينشق من وسط العتمة نور “ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون … “
يصرخ حسن : أبشروا آل حسون إن موعدكم النصر
تتعالى أصوات من هنا وهناك : أبشري يا دالية … ابشري يا دالية .