مازلنا نعيش أجواء معرض الكتاب السوري الذي يحط رحاله في مكتبة الأسد الوطنية، ونتابع عبر اللقاءات والحوارات والندوات هموم وشجون صناعة الكتاب، التي لم يمل أصحاب دور النشر من استعراضها كلّما سنحت الفرصة لهم، عسى أن تلقى شكواهم أذناً صاغيةً من الجهات المعنية.
ورغم أن الحلول المطروحة في هذا الشأن لا تعد ولا تحصى، ولكنّها تظلّ طي الأدراج وتمحو حروفها عاديات السنين، ليقف الناشر أمام حلين لا ثالث لهما، فإما أن يصارع من أجل البقاء، وإنه لأمرٌ عسير في ظلّ الحصار الاقتصادي وندرة المواد الأولية وارتفاع أسعارها، أو أن يختصر رحلة العذاب ويختار الحل الأكثر مرارةً وهو إغلاق المكتبة، ويبدو أن هذا الحل الذي اختارته عدد من المكتبات وربما ليس آخرها مكتبة “نوبل”.
وهنا لابدّ أن نؤكد أن معرض الكتاب السوري شكل حراكاً ثقافياً لافتاً، ورغم ضعف القوة الشرائية، لكن بعض دور النشر والمكتبات استطاعت أن تسوّق لمنتجها الإبداعي وخصوصاً ما يخص عالم الطفولة والكتب المترجمة، ولكن المؤلم حقاً هذا الإقبال على الكتاب المترجم على حساب الكتاب المؤلَّف، وعلى حد قول صاحب إحدى المكتبات” هم يصنعون نجومهم، ويختارون المحتوى الذي يليق بعقل القارئ، والكتاب كأي منتج يفضل المقتني البضاعة المستوردة على البضاعة المحلية”.
فهل حقاً لا يستطيع الناشر والمؤلف أن يسوّق لمنتجه بالطريقة الصحيحة، وهل المشكلة في الكتاب أم في القارئ أم أن المحتوى هو سيد الموقف؟
وربما لا نستطيع في هذه العجالة أن نطرح حلولاً علاجية ولكن يمكن أن نؤكد على أهمية صناعة الإنسان القارئ، قبل أن نهتم بصناعة الكتاب، وجعل القراءة فعلٌ ثقافي يومي، والبداية من الأسرة ومن ثم المدرسة وصولاً إلى الجامعة، ولابدّ من إعادة تفعيل حصص القراءة وارتياد المكتبات، وإجراء المسابقات التشجيعية، وإعادة حلقات البحث لربط الطالب بالمكتبة ليكون الكتاب الأنيس وخير الصديق.
لا شك الواقع يجعلنا بحاجة ملحة للاستثمار في الثقافة، والكتاب بوصفه الحامل الفكري للثقافة يأتي في الطليعة، نمسح عن كاهله غبار السنين، وصوت أنينه يتبدد.
رؤية- فاتن أحمد دعبول