فرض المكان نفسه على حديثنا وذكرياتنا وتداعياتنا، حين التقيت مساء السبت الماضي بالصديق الروائي حسن حميد في معرض الكتاب المقام حالياً في مكتبة الأسد كما فرض الظرف العام نفسه على المعرض، فبدا متواضعاً بالقياس لحاله قبل الحرب على سورية. فقد غابت كثيرمن دور النشر العربية عنه لأن مطبوعاتها صارت أعلى من القدرة الشرائية للقارئ السوري، و القراء النهمين لقراءة ما هو جديد نقصوا كثيراً للسبب ذاته، وبالتالي تقلصت مساحة المعرض الذي كانت تضيق به الساحات الخارجية الفسيحة للمكتبة ليقتصر على بهوها الداخلي. ومع ذلك بدا المعرض أنيقاً ومنظماً. والأهم من كلّ ذلك أنه ما زال مستمراً.
معرض الكتاب (والأنشطة الثقافية المرافقة له) رغم أهميته البالغة، وأهمية استمراره في أي حال، ليس إلا جزءاً صغيراً من عمل مكتبة الأسد ومهامها، فهي أولاً وأساساً المكتبة الوطنية السورية، بأكثر الأشكال تطوراً ومواكبة للعصر، وهي تطوير وامتدادٌ للمكتبة الوطنية التاريخية المتمثلة في المكتبة الظاهرية في دمشق، التي أنشأها الظاهر بيبرس في الربع الأخير من القرن الثالث عشر، وجُمعت مقتنياتها من مصادر متعددة ثم ألحقت بالمجمع العلمي العربي (مجمع اللغة العربية حالياً) إثر تأسسه في دمشق سنة 1919 وكان مقره في المدرسة العادلية الملاصقة للمدرسة الظاهرية مقر المكتبة. غير أن جانباً آخر بالغ الأهمية في عمل تعرفنا عليه في زيارة خارج سورية جمعتنا بالصديق حسن حميد وأنا.
كان ذلك في مطلع صيف 2004، كنا بضعة عشر صحفياً وأديباً وأستاذاً جامعياً في زيارة دولة عربية ثرية نتجول مع مضيفينا الفخورين في أقسام مؤسستهم الثقافية الباذخة ،فلما وصلنا إلى قسم ترميم المخطوطات قال محدثنا بتباه :إن هذا القسم هو أهم قسم من نوعه في المنطقة، بعد قسم الترميم في….مكتبة الأسد..
في تلك اللحظة تحوّل الشعور بالفخر إلينا نحن، وإن كانت لياقة اللحظة قد منعتنا من التعبير عنه، لكنّه كان روح الحديث الذي دار بيننا بعد ذلك. وفي وقت لاحق حين حدثت السيدة الدكتورة نجاح العطار بالحكاية متوقعاً ردة فعل سعيدة، فوجئت بابتسامتها الوقورة توافق على ما قلت، مضيفة عليه معلومة تجاهلها الأشقاء:
-«لقد قمنا بتدريبهم في مكتبتنا».
لا أعلم على وجه اليقين ما الذي ذكرني حينذاك بحكاية ثانية في بلد عربي مترف، حين انتحى بي جانباً معاون مدير مؤسسة ثقافية فارهة متمنياً عليّ بذل جهدي من أجل دعوة رئيسه، وهو الاسم اللامع في بلده، للتحدث في المهرجان الثقافي المرافق لمعرض مكتبة الأسد للكتاب، سارداً علي المناسبات العربية الوفيرة التي كان فيها رئيسه ضيفاً محاطاً بالاهتمام. وبدا واضحاً أن معاون المدير لم يبادر إلى هذا الطلب من تلقاء نفسه، خاصة بعد أن أسرّ لي صديقٌ بأن تلك أمنية عزيزة للمدير، وأنه هو (الصديق) من أحال المعاون إلي. ومع ذلك كان في طلبه ما يضيف دهشة إلى الدهشة التي انتابتني وأنا أرقب مظاهر الفخامة والبذخ والتعالي التي حرص المدير على إظهارها في كلّ لحظة، وفي كلّ تفصيل صغير من سلوكه وحديثه.. فهل وجد أن كلّ هذا لا يعوض حضوره في دمشق؟
إضاءات- سعد القاسم