الملحق الثقافي:أنور الخطيب*
أمي..
كانت تعدّنا كلّ يومٍ مرّتين؛
مرّة في الصّباح
وأخرى في المسَاء
بعد سبعينَ عاماً من الهَباء
لم يعُدْ في البيتِ إلا
حفنة من هَواء
وصوتها
يمشي على عكازتين
* * *
أمي..
حين كانت تجمُعنا
كالعصافيرِ حولَ المائدة
تظلُّ كفّها المليئة شَاردة
وفي المسَاء
تقودُ الليل على ظهرِ خيلٍ عائدة
تحكي لنا قصّةَ الماردِ والماردة
وحين ننام
يهدهدها الله وهي ساجدة..
* * *
أمي
تستيقظُ فجرَ العيد وتُوقِظنا
تسكبُ شاي الغُربةِ
في أكوابِ فرحتنا
وحين نذهبُ «للمراجيح»
تُفلّي الرّيح
تسأله: عن رجلٍ غاب
على صهوةِ الضّباب
وتغذ في التسبيح..
* * *
أمي تعشقُ «مريم»
تستحضرها
وهي تراقبُ الابن يصعد
أبعد من صليبِ الإله..
أمي تحبُّ قصّة الحسينِ صبيحة عاشوراء
وتبكي
وتسألُ الله: يا الله.. أما من شبيهٍ
ينقذُ هذا الفتى من دمهِ وينجّيه..
أمي تكرهُ التاريخ
تسألهُ بكلِّ بساطةِ الأرحام:
من أيِّ تيهٍ أتيت ؟!..
وكيف استطعتَ إيهامنا
بأننا ظلال
قادمون من تلالِ اللظى
وأن الظلام سيبني دولة التّيه؟!..
* * *
أمي لم تقرأ.. لم تكتب
لكنَّ الوحي يُسامِرها فترى،
كما يرى الأولياءُ أسرارَ السّماء
كما ترى قدّيسة في الصّحراء ماء
لكنها
حين مرَّ ابنها في صَحوِها نحوِ القضاء
فقأتْ عينيَّ الوحي وقالت:
أعد الماءَ إلى رملهِ
أسرارُ السّماءِ للسّماء
وبكت، حتى جفَّ ريقُ روحِها
وأُسدِلَتْ سِتارةٌ
بين الهواءِ والرئات
حتى مات..
* شاعر وروائي من فلسطين
التاريخ: الثلاثاء2-11-2021
رقم العدد :1070