العرافةُ والتنجيم.. علاقةٌ تتأثّر بـ «بارنوم/ فورير»

الملحق الثقافي:أمجد سيجري:

هل تسألت يوماً عن سببِ إحاطة المنجّمين والعرّافين، على اختلاف أساليبهم، بقراءةِ الكفِّ أو النجوم أو الفنجان، أو حتى ورق اللعب، ووصف خطوط حياتك، والتبصّر بما يخفيه مستقبلك؟..
هل تسألت أيضاً، عن سبب قبولك لكلماتهم ومطابقتها على نفسك، بكلّ سعادةٍ وسرور، ودون أيّ اعتراض؟..
في الحقيقة، القبول الذي ينتابك وأنت تسمعهم، ما هو إلا أحد التأثيرات النفسيّة التي تسمّى “بارنوم” أو “فورير”.. ويُعرّفا بأنهما عبارة عن ظاهرة نفسيّة يقوم بها بعض الأشخاص، لوصف البعض الآخر بمجموعة من العبارات العامة، والغامضة نوعاً ما، لكنّ ما يميّز هذه العبارات، أنها تنطبق على الجميع، وكأنّها تصف أوضاعهم وحالتهم العامة، بالتالي يتولّد لديهم اقتناعٌ تام بها، ويُسقطونها بشكلٍ كاملٍ على أنفسهم، ما ينتج عنه انحيازٌ معرفيّ، ينشطُ بشكلٍ أفضل، عندما تتضمّن هذه العبارات، أوصافاً إيجابية يريدها الناس، أو يحبّون سماعها.
مثلاً، وعندما نقرأ أو نسمع برجنا يومياً، نجد الكثير من العبارات المطابقة لحياتنا وشخصيتنا. إذاً، فليجرّب كلّ منّا هذا المقطع، ويطابقُ ما ذكرناه على القول فيه:
“أنت مستمتعٌ بكونك تتعامل مع الحياة بعفويّة، وقراراتك التي تخطّط لها، تتّخذها بكلِّ مسؤوليّةٍ وجديّة. أنت مخلصٌ ومحترم تجاه من يخلص لك ويحترمك، كما أنك غالباً ما تكون شخصاً متفائلاً، ولكنك تشعر بالإحباط في مواقفٍ معينة، لذلك عليك أن تكون أكثر مرونة.. اضحك وامرح، واعلم أن تبادل الأفكار جزءٌ مهمٌّ في يومك.. اخرج من المنزل إلى الهواء الطلق، واستمتع بأشعةِ الشّمس، والتحدّث إلى الآخرين، واستمتع بمحادثاتٍ طريفة كلّما أمكن لك ذلك.. عبّر عن أفكارك وعمّا يدور في ذهنك، واحرص على ممارسة الأنشطة الرياضية التي تحفّز الدورة الدموية، ستشعر أن نشاطك يتجدّد، وسيحلّ هذا النشاط مشاكلك بشكلٍ أفضل. ألقِ نظرة على العالم حولك، واستمتع بليلة مع الأصدقاء، ستجد أنه كلّما زاد نشاطك الاجتماعي، أصبحت قادراً على التخلّص من التوتّر.
تأكّد من الأخبار التي تتلقّاها، واستفسر عما تسمعه وتقرأه، وتحمّل المسؤولية عن طريق مراقبة ما يجري حولك، بدرجةٍ عالية من الدقّة.. على الرغم من أن لديك بعض نقاط الضعف، إلا أنك تحاول جاهداً التغلّب عليها، وستتغلب وتكون شخصاً أفضل”.
إن هذا المقطع، ليس لشخصٍ أو برجٍ واحدٍ، فهو عبارة عن تجميعٍ لجميع الأبراج الاثني عشر، في يومٍ واحد، وأعتقد أن الجميع قد وجد أنها تتحدّث عنه، وتصف حياته بنسبة تتجاوز 80 % ، فهي بالنهاية كما قدّم المقال، عموميات يمكن إسقاطها على الجميع، فهي تخلق شعور المطابقة بنسبٍ عالية، لدى كلّ من يقرأها، وتنتج ما تقدّمنا به، وهو تأثير بارنوم/ فورير.
أما عن جذور تأثير “فورير”، فتعود إلى دراسة كلاسيكيّة قام بها عالم النفس الأميركي “بيرترام فورير” سنة 1948، حيث قام بصياغة نموذجٍ مكوّن من مجموعة عبارات، يمكن صياغة بعضها بالشكلِ التالي:
“لديك حاجة كبيرة لأن يحبّك الآخرون وتكون محطّ إعجابهم، كما أن لديك ميلاً لأن تنتقد نفسك، ولديك قدرٌ كبيرٌ من الإمكانيات غير المستخدمة، ويجب أن تستغلها لصالحك، كما أن لديكَ بعض نقاط الضعف في شخصيتك، لكن يمكنك تجاوزها بسهولة، إن أردت أنت ذلك.. أنت إنسانٌ منظّم ومنضبط وفخور بنفسك، وتميل إلى عدم تصديق كلام الآخرين، دون دليلٍ مثبت.
في بعض الأحيان تكون لديك بعض الشكوك، في صحّة قراراتك، وفي معظم الأوقات تكون لطيفاً محبّاً ودوداً مع الناس، لكن في بعض الأوقات تميل إلى الانطوائية والحذر والتحفّظ”.
قدم “فورير” هذه العبارات إلى 39 طالباً، أخضعهم من خلالها إلى اختبار الشخصيّة، وقال لهم إن كلّ شخصٍ منهم، سيحصل على ملاحظاتٍ شخصيّةٍ فريدة، فبدلاً من إعطاء ملاحظاتٍ محدّدة ومتفرّدة لكلِّ فرد، قام بتوزيع عباراتٍ عامة، متماثلة على الجميع.
وجد المشاركون أن هذه العبارات المعمّمة عليهم، عالية الدقّة بالنسبة لهم، وأعطوها تقييماً عالياً وقدره 4.26 من 5 أي بنسبة 85%.. أعاد “فورير” سبب هذا التأثير إلى “السذاجة”، وهي في علم النفس عبارة عن فشلٍ في الذكاء الاجتماعي، حيث يتمُّ خداع شخص أو التلاعب به بسهولة، وهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بسرعة التصديق، التي تتمثّل في الميلِ إلى تصديقِ الافتراضات غير المحتملة، التي لا تدعمها الأدلّة، وبيّن أن هذا التأثير يؤكّد ما يسمى “مبدأ بوليانا”، الذي يعبّر في علم النفس عن ميلِ الأشخاص لِتَذَكُّر الأشياء الجيدة والإيجابية، بِشكل أكبر مِن الأشياء والكلمات المزعِجة والسلبية.
من يقومون بقراءة النجوم والكفّ والبخت.. الخ، غالباً ما يستخدمون هذا الأسلوب المخادع، يقنعون ضحاياهم بأنهم قد مُنحوا موهبة خارقة، تميّزهم عن غيرهم، وفي الحقيقة عباراتهم مجرّد عبارات عامة وغامضة للغاية، يفسّرها كلّ إنسان كيفما يريد، فهي تقبل عشرات التأويلات، وبالتالي فكلّ إنسان يُسقطها على حياته، ثم يعطيها تفسيره وقالبه الشخصي الخاص به.
أما عن سبب تسمية هذا التأثير، بتأثير “بارنوم”، فيعود ذلك إلى سنة 1956 حيث أرجعه عالم النفس الأميركي “بول إيفرت ميهل”، إلى إحدى الشخصيات الأميركية التي شكّلت فيما مضى، إحدى الظواهر المهمّة التي كانت منتشرة في القرن التاسع عشر، وتتمثّل بمنظّم العروض الأميركي “فينياس تايلور بارنوم” الذي تُنسب إليه إحدى أهم العبارات الخاصة بالاحتيال، وهي: “في كلّ دقيقةٍ يولد مغفّلٌ في هذا العالم”.. استغلّ “بارنوم” هذه العبارة، وطبّقها على الناس، مدّعياً قدرته على تحليل الشخصيات وفهمها جيداً، عن طريق استخدام العبارات العامة التي ذكرنا بعضاً منها.
في فتراتٍ لاحقة، تكرّرت هذه الدراسة التي استهدفت عّينات أفرادها من شعوبٍ مختلفة، وقد كانت نتائجها متماثلة، كما استهدفت عينات أخرى، المنظمات بدلاً من الأفراد، كعناصرٍ لذات الدراسة، فكانت النتائج مشابهة على صعيد الفرد.
إن تبلور هذا التأثير النفسي، وتحديد معالمه ضمن علم النفس، أدّى إلى زيادة كبيرة وعالميّة في استخدامه بعلم التنجيم وملحقاته من العلوم الزائفة، كقراءة الكفّ والورق وغيرهما، ما أدّى إلى ازدهار هذه العلوم الزائفة بشكلٍ أوسع بين الناس، وخصوصاّ مع الثورة الرقمية، ومواقع التواصل الاجتماعي التي أتاحت وصول هذه النماذج وتأثيراتها، إلى الملايين من الناس، فكانت الملاذ الآمن للباحثين منهم عن الراحة النفسيّة، وعن التشجيع الذي منحته لهم العبارات الإيجابية، التي تقدّمها قراءة البرج أو الكفّ أو غيرهما…

التاريخ: الثلاثاء2-11-2021

رقم العدد :1070

 

آخر الأخبار
وزارة الثقافة تطلق احتفالية " الثقافة رسالة حياة" "لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى إطار جامع تكفله الإستراتيجية الوطنية لدعم وتنمية المشاريع "متناهية الصِغَر والصغيرة" طلبتنا العائدون من لبنان يناشدون التربية لحل مشكلتهم مع موقع الوزارة الإلكتروني عناوين الصحف العالمية 24/11/2024 رئاسة مجلس الوزراء توافق على عدد من توصيات اللجنة الاقتصادية لمشاريع بعدد من ‏القطاعات الوزير صباغ يلتقي بيدرسون مؤسسات التمويل الأصغر في دائرة الضوء ومقترح لإحداث صندوق وطني لتمويلها في مناقشة قانون حماية المستهلك.. "تجارة حلب": عقوبة السجن غير مقبولة في المخالفات الخفيفة في خامس جلسات "لأجل دمشق نتحاور".. محافظ دمشق: لولا قصور مخطط "ايكوشار" لما ظهرت ١٩ منطقة مخالفات الرئيس الأسد يتقبل أوراق اعتماد سفير جنوب إفريقيا لدى سورية السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص