الملحق الثقافي:استطلاع: خالد عارف حاج عثمان:
كان الأدب وأخصّ منه “الشّعر” ديوان العرب، وسجلّ حياتهم وأيامهم، حلّهم وترحالهم، أفراحهم وأتراحهم، غزواتهم وحروبهم، وصورة مجتمعيّة ثقافيّة ومعرفيّة وحياتيّة لبيئتهم..
كما كان الأديب، ولاسيما الشّاعر، هو المدافع عن قبيلته والمنتصر لها، مستشارها والمتحدّث باسمها.. المُحترم والمكرّم، والمرهوب جانبه عند أعدائها.. ذا المكانة والحظوة عند رئيس القبيلة وأفرادها، كما كانت له رسالته في مجتمعه، وقد حملها بأمانةٍ على مدى العصور..
اليوم، ونحن نعيش عصر ما بعد الحداثة.. عصر التكنولوجيا والاتّصالات والإعلام الافتراضي، وقنوات التواصل الاجتماعي، لابدّ أن نسأل: هل ثمّة رسالة للأديب الشّاعر؟.. ما فحواها؟.. ما ملامحها؟.. كيف يحملها ويؤدّيها خدمة لمجتمعه؟..
هذه الأسئلة وغيرها، كانت مادة استطلاعنا لآراءِ عددٍ من الأدباء الشعراء، ممن لهم إصداراتٍ أثرت الساحة الشعريّة السوريّة، وممن كان رأيهم فيما طرحناه:
عهدات موسى:
“الأدبُ يأخذُ دوي العقول.. من ضفّةِ الغفوةِ، إلى شاطئ اليقظةِ”
الأدبُ مرآةٌ للمجتمعِ بمَن فيه، وما فيه من سلمٍ أو حربٍ، ونستطيعُ القولَ إنّ رسالةَ الأدبِ يجبُ أن تكونَ ساميةً وهادفةً، مفيدة وعميقة، فمن خلالِ مخاضِ رسالةِ الأدبِ في وقتنا الحالي، ستولدُ رسالةُ الأديبِ الّتي تحملُ ضميرهُ وروحهُ الإنسانيّة، لينقلَ بأمانةٍ ما يدورُ في مجتمعه، ناهيكَ عن مسؤوليّتهِ تجاه قضايا أمّته المصيريّة.
الأديبُ هو ذاكَ الحكيمُ الذي يحرّضُ ذوي العقول، كي تستنيرَ من فكرهِ وعلمهِ وثقافتهِ وتجاربهِ وشفافيّته، حيثُ يأخذهم من ضفّةِ الغفوةِ، إلى شاطئ اليقظةِ والمشاركةِ بإرادةٍ قويّةٍ، للعملِ والانخراطِ في جميعِ الميادين، كي ينهضوا بمجتمعِهم نحو قممِ العلا، وفي جميعِ المجالات الثّقافيةِ والأدبيّةِ والاجتماعيّةِ والفكريّةِ والعلميّةِ، ممّا يجعلُ عجلة التطوّرِ تساهمُ في نشرِ الحضارة.
صفوةُ القول:”للأدبِ مهمّة إنسانيّة وفكريّة وثقافيّة، تتجسّدُ من خلالِ أدمغةِ الأدباءِ وأقلامهم، التي تنقلُ آلامَ وأفراحَ النّاسَ، بإلهامٍ من وحي الواقع.”
زوات حمدو:
“ الأدبُ رسالةٌ تمتد جسورها.. بين الكلمة واﻹنسان والحياة”
للكلمة دورٌ في بناء المجتمعات، والنهوض باﻷمم، لما لها من أثرٍ في التعبير، وهي قوّة سحريّة ومؤثّرة في نفس المتلقي.. من هنا تكمن أهمية رسالة اﻷدب، في كونها رسالة تمتد جسورها بين الكلمة واﻹنسان والحياة، لذا لم يخطئ اﻷديب الروسي “تولستوي” في وصفه بأن الكاتب: “هو الذي يستطيع أن يصف لنا عالم الله”.
وﻷن اﻷدب مرآة للواقع وانعكاسٌ وامتدادٌ له، ﻻ يمكن للأديب أن يقدم رسالته للمجتمع، بمعزلٍ عن الناس، والتواصل شبه اليومي معهم، لأنهم يشكّلون مادة حيّة لمختبراته اﻹبداعية، فاﻷديب مسؤولٌ أمام الله ومجتمعه، عن كلّ ما يكتب ويبدع ويقدّم.. إذاً، علاقة اﻷديب بمجتمعه علاقة تفاعليّة، فهو يتأثر بالمجتمع ويؤثّر به.
سهيل درويش:
“على عاتقِ الأديب.. تقع عملية صنع مستقبلٍ أكثر روعة”
لا يمكن للأديب أن يعيش بلا رسالة، ولقد وُجد الأدب ليؤدّي مهمة التنوير، فالأديب يملك بصيرة اكتشاف الحاضر والمستقبل، وهو لا يضع يده على المشكلات فحسب، بل يسعى لوضعِ الحلولِ على مختلفِ الصعد الحياتية، إضافة إلى إثارة الوجدان والمشاعر وتهذيب النفس، ولكي يقدمها للمجتمع هناك شرط جوهري، والمعيار الأساس هنا هو الواقعية والصدق، الأمر الذي يجعله محبوباً ومؤثّراً في مجتمعه.
في ظل الأزمة التي نعيشها، تزداد مهمة الأديب دقّة وحساسيّة، ما يستوجب منه التأثير الإيجابي في مجتمعه، من خلال ممارسة واعية بأعلى درجات المسؤولية.. نعم على عاتقِ الأديب تقع عملية صنع مستقبل أكثر روعة لأبناء شعبه.
صديق علي:
“للأدب والأديبِ أدوار فاعلة.. في حياكة ثوبِ الحضارة الأنيق”
الأدب في أنصع وجوهه، رسالةٌ إنسانيّة المبدأ، واسعة الشمول، منطقية المعنى، هدفها الأساس الإنسان والحياة.
والأديب هو مصمّم هذه الرسالة، ومبدعها وناشرها، والجمهور هو المتلقي والمنفعل، يمارس أدواراً فاعلة ومنفعلة، تتوجّه إلى التغيير الإيجابي نحو الأفضل والأسمى.
والأديب الملتزم إنسان أولاً، ووطنيّ بامتيازٍ ثانياً، وعليه بحكمِ مواقفه الطليعية البنّاءة، وحساسيّته العالية، امتلاك القدرة الواعية على التشخيص والتغيير، سبيلاً إلى الحضارة والارتقاء والتنوير. .
لرسالة هذا الأديب مناحٍ جمّة، تتطرّق إلى الشؤونِ الاجتماعية والوطنية والقومية وسواها، وهو ماهرٌ يعرف كيف يضع بصمته الذهبية الباهرة، مؤكّداً حبّه العميق بمحتوى رسالته، فالأديب مقبض الرحى في الحياة، والجمهور حبّها، والعلاقة بينهما في ارتباطٍ وثيق. .
إن الوصف يقصر ويضيق هنا، ونحن نتحدّث عن دورِ الأديب، فكم له من أدوارٍ فاعلة في حياكة ثوبِ الحضارة الأنيق.
خاتمة:
نختتم استطلاعنا بالقول: لقد أجمع الأدباء – الشعراء، على أن ثمّة رسالة للأدب باقية، بقاء الإبداع وتجدّده، وبقاء الإنسان وتجذّره في مجتمعه. إنه هدف الرسالة ومحتواها ومنطلقها، نحو تحقيق مجتمعٍ إنسانيّ سعيد، في وطنٍ حرٍّ وعزيز وقويّ..
التاريخ: الثلاثاء9-11-2021
رقم العدد :1071