الثورة أون لاين – عبد الحليم سعود:
تصاعدت حدة التهديدات الصهيونية ضد إيران بشكل ملفت في الآونة الأخيرة، وذلك قبل نحو أسبوعين من عودة المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة، وهو ما رفع من حدة السؤال حول ما إذا كان هذه التهديدات ستقود إلى حرب بين الطرفين أم إنها مجرد حرب كلامية تدخل في إطار حرب نفسية يمارسها الكيان لأغراض داخلية.
على مقلب الكيان الصهيوني يمكن اعتبار التهديدات التي أطلقها حكامه ومن بينهم رئيس أركان العدو أفيف كوخافي جزءاً من حالة الهستيريا والخوف والإحباط التي يعيشها الكيان جراء العديد من التطورات التي شهدتها المنطقة في الفترة الماضية، ولاسيما عودة الولايات المتحدة الأميركية إلى المفاوضات النووية مجدداً تمهيداً لعودتها إلى الاتفاق النووي مع إيران، وانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، واحتمال سحب ما تبقى منها في كل من سورية والعراق، والأهم من كل ذلك هو بدء تعافي سورية من الحرب العدوانية وعودة بعض الدول العربية لاستئناف علاقاتها مع دمشق، وهو ما يشكل في رأي الكثيرين أكبر فشل للكيان الصهيوني وأجندته القائمة على شق الصف العربي وزرع الفتنة بين دوله وشعوبه من أجل استكمال صفقة القرن التي كان يحلم بها الاسرائيليون لتصفية حقوق الشعب الفلسطيني ووأد قضيته العادلة.
فرغم الأحلام الكبيرة التي علقها الكيان الصهيوني على ما يسمى “الربيع العربي” الأسود، حيث اشتعلت الحروب والأزمات في الدول التي تشكل خطراً وجودياً على مشروعه الاستعماري التوسعي، وانشغل محور المقاومة بحرب ضروس ضد الإرهاب التكفيري المدعوم من “إسرائيل” وأدواتها وحلفائها الغربيين والإقليميين، إلا أن الأمور بدأت بالتحسن لدى مقاومي المشروع الصهيوني بحيث استطاعوا أن يعكسوا الأزمات والحروب التي عانوا منها إلى إنجازات لصالحهم واستثمروها في حضور ونفوذ أكبر على مستوى المنطقة، وهو الأمر الذي أعاد الكيان الصهيوني إلى هواجسه المزمنة حول الوجود والمصير لإدراكه أن أي حرب قادمة لن تكون في صالحه بعد أن فشل في تحقيق أهداف كل اعتداءاته وكل حروبه السابقة.
وأما التهديد الإسرائيلي الجديد بشن حرب على إيران وقول مسؤوليه إنهم “يسرعون الخطط العملياتية والاستعداد للتعامل مع إيران وتهديدها العسكري النووي” على حد تعبيرهم، هدفه إفشال المفاوضات النووية القادمة والضغط على الولايات المتحدة لرفع سقف شروطها من أجل تحقيق هذا الهدف، لعلمهم المسبق أن الجمهورية الإسلامية في إيران لن تتنازل عن حقوقها النووية في الاتفاق الملغى، ولن تقبل بأي شرط “إسرائيلي” في أي اتفاق جديد، والصهاينة يمنون النفس بأن فشل المفاوضات وعدم توقيع اتفاق جديد يعني اللجوء مباشرة إلى القوة العسكرية لحسم الموقف، لكن الكيان الصهيوني أضعف بكثير من أن يلجأ إلى هذا الخيار بعيدا عن الولايات المتحدة التي تبدو أكثر تعقلا وأكثر ميلاً للتفاوض والحوار من الرغبة بالتصعيد واستعراض القوة، وهذا ما يجعل مسؤولو الكيان يصعدون لهجتهم الكلامية للتشويش، حيث يرى مدير ما يسمى مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط، عوزي رابي، أن هذه التهديدات جزء لا تتجزأ من الصراع المفتوح بين الجانبين، مؤكدا أن الملف النووي الإيراني يمثل أولوية لدى “إسرائيل”.
وبرر رابي هذا التصعيد “الإسرائيلي” بـ”فقدان الثقة الإسرائيلية بإدارة بايدن خاصة مع الحديث عن إحياء الاتفاق النووي 2015″، الاتفاق الذي ترفضه “إسرائيل” وتعتبره طهران انتصارا لها، بالإضافة إلى تغير أولويات أميركا في المنطقة، وتراجع ترتيب الشرق الأوسط في سلم أولوياتها.
أما على المقلب الآخر فإن التهديدات الإسرائيلية لا تشكل قلقاً لدى القيادة الإيرانية وهي تعرف كيف تتعامل مع أي حماقة يرتكبها الكيان، وقد رد قائد القوة الجو فضائية للحرس الثوري الإيراني، العميد أمير علي حاجي زاده، على هذه التهديدات، بالقول: “إن النظام الوحيد الذي يتحدث عن البقاء هو “إسرائيل”، فنظام يتحدث عن وجوده محكوم عليه بالتدمير ولا يمكن أن يتحدث عن تدمير دول أخرى”.
ورأى زادة أن التصريحات الإسرائيلية هي “تهديدات موجّهة بالدرجة الأولى إلى الاستهلاك الداخلي وهم يعرفون أنهم يمكنهم أن يبدؤوا بالاعتداء، لكن النهاية ستكون بيدنا”.
إلى ذلك رأى مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية، محمد صالح صدقيان، أن هذه التهديدات المتبادلة طبيعية بسبب الخلاف التاريخي بين الطرفين، مشيرا إلى أن “التهديدات الإيرانية تعتمد على ثوابت الدولة منذ الثورة الإسلامية عام 1979”.
وأرجع صدقيان تصاعد حدة التهديدات هذه الأيام، إلى رغبة “إسرائيل” في تعطيل مفاوضات إحياء الاتفاق النووي 2015، من خلال إثارة التوترات في المنطقة وتوجيه التهديدات إلى طهران”.
في المحصلة، لا يمكن للكيان الصهيوني أن يقدم على مغامرة بحجم العدوان على منشآت إيران النووية دون دعم وتغطية أميركية وغربية لأنه يعلم أن كل المنطقة ستشتعل وستمتد النيران إلى داخل البنية الاجتماعية والأمنية الهشة في الكيان، ولولا مخاوفه المتزايدة على مصيره لبادر إلى العدوان دون اكتراث بالنتائج المترتبة عليه، وهذا ما يجعل تهديداته استعراضية مجانية للاستهلاك الداخلي.