الثورة – غصون سليمان:
كتب الكثير عن التنشئة الاجتماعية، أهميتها ودورها في بناء المجتمعات النامية التي تواجه اليوم بشكل عام إشكالية التعايش والتفاعل مع هذا العالم المتغير من خلال تعليم وتأهيل الإنسان القادر على التفاعل الإيجابي ، والتعامل الواعي مع تطورات العولمة، وفي الوقت ذاته الحفاظ على الهوية الثقافية لهذه المجتمعات.
فمن الملاحظ أن التنشئة الاجتماعية وجدت منذ وجدت البشرية ولا فصل بينهما، فهي نتاج تفاعل الطفل والمجتمع ضمن الشروط الموضوعية كونها ترتبط بنظام المجتمع وتاريخه وتركيبة العائلة والسلطة والوعي العام، وبالتالي فإن أي تغيير فيها يغير في تنشئته وتتفاوت هذه العملية بين قوتين في المجتمع، واحدة تسعى لاستقراره والثانية لتغييره.
وفي هذا السياق تشير الدكتورة أمل حمدي دكاك الأستاذة في قسم علم الاجتماع بجامعة دمشق إلى أن وسائل الإعلام تلعب دوراً مهماً في تنشئة الطفل اجتماعياً تماماً كما الأسرة والمدرسة، لكنها سلاح ذو حدين. فقد تساعده على بلورة شخصيته، أو تعكس هذه العملية وتترك آثاراً سلبية ليبقى الموضوع منوطاً بآلية العمل وكيفية التقديم للموضوع التربوي.
فعملية التنشئة من وجهة نظر الدكتورة دكاك تبدأ منذ ولادة الطفل وتكون بشكل مكثف في سنواته الأولى، وتستمر طوال حياته، من خلال التفاعل الذي يبدأ مع والديه ومن ثم المدرسة والأصدقاء ووسائل الإعلام، إضافة لما يكتسبه من أساليب السلوك التي تتصل بوظائفه الجسدية وحاجاته العضوية.
إذ يستمر التفاعل مقترناً بالتجربة حتى يستقر على سلوك يتكيف به مع محيطه، فتتكون عنده المعايير والاتجاهات والميول والعادات الاجتماعية والأدوار.
وبينت الدكتورة دكاك أن وسائل الإعلام لم تعط النتائج المطلوبة منها في ميدان التنشئة حتى في البلدان المتقدمة، وربما يكون ذلك نتيجة فقدان التعاون والتنسيق بينها وبين مؤسسات التنشئة الأخرى، حيث تتنافس بدلاً من التعاون في تنشئة الطفل. منوهة بأن التنافس قد يكون متناقضاً في مضمونه، ونتجه إلى تبعية وسائل الإعلام في الدول النامية نتيجة التبعية الاقتصادية، ما يشكل خطراً على الثقافة القومية في معظم الأوقات، إلى جانب خطرها الهائل على الأطفال وتنشئتهم في ظل العولمة الإعلامية. وأوضحت الدكتورة دكاك قدرة التلفاز الخارقة على امتلاك اهتمام الطفل وتوجيهه وعزله عن نشاطاته الأخرى كاللعب والقراءة وحتى الاختلاط بالمجتمع والأصدقاء التي تعد المحور الأساسي في عملية التنشئة الاجتماعية.